الثلاثاء، 27 مارس 2018

خطبة: التحذير من بدع رجب


الْحَمْدُ للهِ الذِي مَيَّزَ أَهْلَ السُّنَّةِ بِالتَّسْلِيمِ لأَدِلِّةِ الْقُرْآنِ الْمُبِين، وَآثَرَهُمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى دَعَائِمِ الدِّين، وَجَنَّبَهُمْ زَيْغَ الزَّائِغِين، وَضَلالَ الْمُلْحِدِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَفَّقَ أَهْلَ الْحَقِّ لِلاقْتِدَاءِ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِين، وَسَدَّدَهُمْ للإقتداء بِصَحْبِهِ الأَكْرَمِين، وَيَسَّرَ لَهُمُ اقْتِفَاءَ آثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِين، حَتَّى اعْتَصَمُوا مِن الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْحَبْلِ الْمَتِين، وَمِنْ سِيَرِ الأَوَّلِينَ وَعَقَائِدِهِمْ بِالْمَنْهَجِ الْمُبِين، فَجَمَعُوا بَيْنَ الصِّدْقِ وَاليَقِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهِ، دَعَا إِلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين، وَأَصْحَابِهِ وَمْنَ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَرَاقِبُوهُ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِدْعَةَ: هِيَ الإحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ وأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَل، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) وقال (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليه أمرُنا هذا فهو رَدٌّ) رواه مسلم
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ تَحْذِيرُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِن الْبِدَعِ وَمِنْ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَيَقُولُ (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ـ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ـ) وَيَقُولُ (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَانْظُرُوا كَيْفَ أَنَّ النَّبِيَّ يُحَذِّرُ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِن البِدْعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعَلَمُ الأَمَّةِ عَلَى الإطْلاقِ، أَفَلا يَجْدُرُ بِنَا نَحْنُ أَنْ نَخَافَ مِنْهَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَيُحَذِّرَ بَعْضُنَا بَعْضَاً؟
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: تَأَمَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ، عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ (نَعَمْ) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ (نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ) قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ (قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ) فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ (نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا! قَالَ (نَعَمْ: قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ) فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ (فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَكَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم الْفِتَنَ وَلِذَلِكَ سَأَلُوا عَنْهَا لِيَحْذَرُوا مِنْهَا، لأَنَّ مِنْ لا يَعْرِفُ الشَّرَّ مَا أَسْرَعَ أَنْ يَقَعَ فِيه!
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَضَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ وَمَشِيئَتِهِ النَّافِذَةِ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ الإسْلامِيَّةَ سَوْفَ تَفْتَرِقُ بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهَا إِلَى فِرَقٍ شَتَّى، وَالذِي عَلَى الْحَقِّ مِنْهَا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ مَنْ تَمَسَّكَتْ بِهَدْيِ نَبِيِّهَا عَلَى الْوَجْهِ الأَكْمَلِ، فَهَلْ نَحْنُ مِنْ تِلْكَ الطَّائِفَةِ النَّاجِيَةِ؟
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ (الْجَمَاعَةُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعلِ بِالنَّعلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً) قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ
وَقَدْ دَأَبَ الرَّسُولُ الْكَرِيمُ عَلَى إِبْعَادِ أُمَّتَهِ عَنْ الْبِدَعِ حَتَّى فِي أَوَاخِرِ حَيَاتِهِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَصَايَاهُ الأَخِيرَةِ .
فَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ
فَمَا أَحْسَنَهَا مِنْ وَصَيَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ! فَفِي آخِرِ حَيَاتِهِ حَذَّرَ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبِدَعِ، وَقَدْ وَقَعْتْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ مَوْقِعَهَا فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وَلِذَلِكَ لَمْ تَقَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِدْعَةٌ حَتَّى لَقُوا رَبَّهَم، بَلْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُحْدَثَاتِ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا وَإِنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ .
فَعَنْ مُجَاهِدٍ بنِ جَبْرٍ رَحِمَهُ اللهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالكَعْبَةِ وكَانَ مُعَاوِيَةُ لا يَمُرّ بِرُكْنٍ إِلا اِسْتَلَمَهُ! ويقول: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْت مَهْجُورًا . فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة) يَعْنِي وَلَمْ يَسْتَلِمْ إِلَّا الْحَجَرَ الأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ ـ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقْتَ!!! فَانْتَهَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ عَرَفَ أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ .
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حَتَّى تُحْيَى الْبِدَعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ .
وهذا صِدّيق الأمّة أبو بكر رضي الله عنه يقول: (إِنَّمَا أَنَا مُتَّبِعٌ وَلَسْتُ بِمُبْتَدِعٌ، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَتَابِعُونِي، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي)
فَرَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَانَا وَمَثْوَاهُمْ!
جعلَنا اللهُ جميعاً مِمَّن يستَمعونَ القولَ فيَتَّبِعونَ أحسنَهُ
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغِفُرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا  مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَنَّ الْبِدَعَ فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا تَأْتِي فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أُنَاسٍ عِنْدَهُمْ حُسْنُ نِيَّةٍ و وَحُبٌ للْخَيْرِ، لَكِنْ عِنْدَهُمْ جَهْلٌ فَيَقَعُونَ فِي الْبِدْعَةِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مُبَرِّرَاً لِعَدَمِ تَأَثُّمِهِمْ وَلا لِتَرْكِ الإنكَارِ عَلَيْهِمْ، بَلْ يَجِبُ الإنْكَارُ عَلَيْهِمْ وَإِرْشَادُهُمْ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ!
ثم اعلموا ـ إخوة الإيمان ـ أنّ شهرَ رجب من الأشهر الحرُم التي يجب فيها تعظيم أمرِ الله وترك ما حرَّم الله جل وعلا (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، ولكن لم يثبُت أنَّ للعبادة فيه مزيّةً على غيره من الشهور، ولهذا قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف) (ص/130)- بعد أن بيّن عدمَ مشروعيّةِ اتّخاذِه عيداً وموسماً؛ كما يفعله بعضُ النّاسِ-:
«ومن أحكامِ رجبٍ: ما ورد فيه من الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ، والاعتمارِ.
فأمّا الصَّلاةً: فلمْ يَصِحَّ في شهرِ رجبٍ صلاةٌ مخصوصةٌ تختصُّ به، والأحاديثُ المرويةُ في فضلِ صلاةِ الرَّغائبِ فِي أوّلِ ليلةِ جمعةٍ من شهرِ رجبٍ كذبٌ وباطلٌ لا تصحُّ، وهذه الصلاةُ بدعةٌ عند جمهورِ العلماءِ، وممّن ذكر ذلك من أعيانِ العلماءِ المتأخِّرينَ الحفاظِ: أبو إسماعيل الأنصاريُّ، وأبو بكر بن السمعانيِّ، وأبو الفضل بن ناصر، وأبو الفرج بن الجوزيِّ، وغيرِهم، وإنّما لم يذكرْها المتقدِّمون لأنّها أُحدثَتْ بعدَهم، فلذلك لم يعرفْها المتقدِّمون، ولم يتكلَّموا فيها». قال: «وَأَمّا الصِّيَامُ: فلمْ يَصِحَّ في فضلِ صومِ رجبٍ بخصوصِه شيءٌ عنِ النَّبيِّ ، ولا عن أصحابِه».
ثمّ قال: «وَأَمَّا الزَّكَاةُ: فقدِ اعتادَ أهلُ هذِه البلادِ -يعني: بلادَ الشَّامِ- إخراجَ الزكاةِ في شهرِ رجبٍ، ولا أصلَ لذلك في السنّةِ، ولا عُرِف عن أحدٍ من السَّلفِ».
ثمّ قال: «وأمّا الاعتمارُ فِي رجبٍ: فقد روى ابنُ عمرَ رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ اعتمَر في رجبٍ فأنكرتْ ذلك عائشةُ عليه وهو يسمعُ فسكَتَ»
ثمّ قال: «وقد رُوي: أنّه كان في شهرِ رجبٍ حوادثُ عظيمةٌ و لم يصِحَّ شيءٌ من ذلك فرُوي: أنّ النّبيَّ وُلِدَ في أوّلِ ليلةٍ منه، وأنّه بُعث في السَّابعِ والعشـرِينَ منه، وقيل: في الخامسِ والعشرِينَ، ولا يصِحُّ شيءٌ من ذلك، ورُوي بإسنادٍ لا يصِحُّ عن القاسمِ بنِ محمّدٍ: أنّ الإسراءَ بالنَّبيَّ كان فيِ سابعٍ وعشـرينَ من رجبٍ، وأنكَرَ ذلك إبراهيمُ الحربيُّ وغيرُه».
وبمثل قولِ الحافظِ ابنِ رجبٍ رحمه الله قال كثيرٌ من العلماءِ المحقِّقين؛ فقد قال قبلَه العلّامةُ ابنُ القيِّم رحمه الله في (المَنارُ المُنيْف) (ص/96): «وكلُّ حديثٍ في ذكرِ صومِ رجبٍ وصلاةِ بعضِ اللَّيالِي فيهِ؛ فهُو كذبٌ مُفترى». وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "لم يرِد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيءٍ منه معيَّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيح يصلح للحجة".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "صلاةُ ليلة السابِع والعشرين من رجب وأمثالها فهذا غَير مشروع باتفاق أئمة الإسلام، كما نصّ على ذلك العلماء المعتبَرون، ولا ينشِئ ذلك إلا جاهل مبتدع".
وقد ابتدعوا في شهرِ رجبَ نسيكةٌ يسمّونها (العَتيرة) والعتيرة هي ذبيحة كان يذبحها أهل الجاهلية في شهر رجب , وجعلوا ذلك سنة فيما بينهم كذبح الأضحية في عيد الأضحى. وقد اختلفَ العلماءُ فيها بين قوله : (لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ) متفق عليه؛ والفَرَعَ هو أول ولدٍ للناقة كانوا يذبحونه لأصنامهم، وبين قوله (العتيرةُ حقٌّ) النسائي وحسَّنه الألباني؛ ووجّهُوها على العتيرةِ المشروعةِ التي تُذبحُ قربةً لله لا لتعظيمِ رجب، والمنهيّ عنها هي التي أبطلها الإسلامُ وهي عتيرةُ الجاهليةِ.
ونسبوا ما قيل فيه من الأحاديث الضعيفة ما يروى عن النبي أنه كان يقول إذا دخل شهر رجب: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ). هذا حديثٌ ضعيفٌ منكر، لا يصح عن النبي ، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء، لأنه لم يصح عن رسول الله وإنما قلته لكم لأنه يوجد في بعض أحاديث الوعظ، يوجد هذا الحديث فيها، ولكنه حديثٌ لا يصح عن النبي .
فاحذروا ـ عباد الله ـ ممّا ليس بمشروع، والزَموا السنة في كل شيء؛ تفوزوا وتسعدوا بخيرَي الدنيا والآخرة. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الوَاجِبَ عَلَيْنَا جَمِيعَاً الْحَذَرُ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهَا، وَتَجَنُّبُ مَا يُقَامُ فِيهَا وَمِنْ أَجْلِهَا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .


الخميس، 22 مارس 2018

خطبة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يقول الحق -سبحانه وتعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11]، يعبد الله على حرف، أي على شك، أو على انحراف، أو على طرف الدين لا وسطه.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: " كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ "، ضعيف الإيمان، لا يصمد أمام الابتلاء، بل إن مواقفه كلها مربوطة بشهواته؛ فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه.
وبعضهم يفتن في الأذى، نسأل الله السلامة والعافية، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ)‏ [العنكبوت:10].
أيها الإخوة: إن الرجال يُعْرَفون على الحقيقة عند الأزمة، فهنالك مَن يثبتون لمعتقداتهم وقيمهم وأخلاقهم، فلا يتنازلون عن شيء منها، لا يوالي أحدهم أو يعادي من أجل الدينار والدرهم، أو يطيع أي مخلوق في معصية الخالق، ولا يؤذي المسلمين الغافلين؛ تقرُباً لمدير، أو طمعاً في منصِب، ويضبط لسانه عند الغضب، فلا يسبق لسانه عقله.
معاشر الإخوة: لا أحد يزعم الكمال، ولا نصفه ولا حتى ربعه، ولا يكفي السعي والجد في محاولة الوصول إلى شيء من ذلك.
ولا شك أن الناس يكادون يجمعون على أن المجتمع في حاجة ماسة لا إلى كثرة الرجال فحسب؛ وإنما إلى رجال الثبات على المبادئ الشريفة، والأخلاق الفاضلة، فما الثناء على الكم والعدد إلا باصطحاب الكيف والنوع، أما العدد هكذا فلا.
في قصة طالوت وجنوده جاء القرآن بأسلوب الاستفهام (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة:249]، هذه مقالة صفوة جنود طالوت لما سمعوا المُخَذِلِينَ يقولون: (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) فأدركوا الموقف بهذه المقالة وأنقذوه.
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) مقالة نابعة من قلوب الذين يظنون أنهم ملاقو الله، (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ).
نابعة من قناعة صادقة، فالفئة القليلة الغالبة فيها من الصفات الشريفة من قوة القلب، ورباطة الجأش، وقبل ذلك الإيمان الراسخ بقوة الله تعالى، والتوكل عليه، والثبات على هذا المعتقد، وعدم الحيدة عنه.
صفات ليست عند الفئة الكثيرة، هذه الصفات هي التي حسمت الموقف لا الكثرة (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) [251].
وليس الثبات في القتال هو المقصود باستحضار هذه الأمثلة؛ كلا! وإنما المقصود هو الشخصية الثابتة الواثقة بشكل عام.
الشخصية التي لا تهزها رياح الفتن، ولا تضعفها أباطيل المرجفين، الشخصية التي تثبت على صفاء منهجها، الذي آمنت أنه الحق، ولم تبدل، كما في قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].
وقال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [سورة السجدة] وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ [سورة المؤمنون] وقال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [سورة الملك]
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد أثنى الله تعالى على عباده بالعديد من الصفات الجميلة، ومنها قوله تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].
هناك وفاء بالعهد فلا حيدة، وهناك صبر في البأساء والضراء وحين البأس فلا جزع، فهذه الصفات بلا شك من دلائل الصدق والتقوى، نحن بحاجة إلى القوي؛ لكن بشرط ألا يعطل قوته عند الحاجة، وألا تخور قواه عند الفتن، وبحاجة إلى الأمين الذي يستأمن على كل شيء، على الدين وعلى المال وعلى الكلمة وعلى أية مسؤولية؛ لكن قبل ذلك يكون ثابتا على أمانته، لا يخون ولا يغدر في السر.
وصفة أي صفة لا قيمة لها ما لم تكن صادقة، بحيث يكون الإنسان ثابتاً على مبدئه، يصبر عليه ويحتسب، ولا يتنازل عنه تحت ضغط واقع، ولا يبيعه بأي ثمن.
معاشر الإخوة: نريد أن نربي أنفسنا على صدق الموقف، وأن نثبت على قيم ديننا، وفضائل أخلاقنا مهما تغير الزمان، وأن نعي التيارات التي تحاول حرفنا عن منهج الستر والحياء، ومنهج القوة والعدالة الذي يرضاه ربنا جل في علاه، ومنهج نبينا الكريم وخلفائه الراشدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.

الأربعاء، 21 مارس 2018

خطبة: زكاة عروض التجارة وبهيمة الأنعام

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَالأعراف 156
عباد الله: إنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ وَقُرْبَةٌ كَبِيرَةٌ، وَهِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ، وهي تُزَكِّيةَ لنَفْسَكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَتَطَهِّير لها مِنَ الشُّحِّ وَالذُّنُوبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ والزَّكًاةَ قَرِينَةُ الصَّلاةِ فِي كِتَابِ اللهِ ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ مَنْ جَحَدَ وَجُوبَ الزَّكًاةَ كَفرْ ولا تصح صلاته ولاصيامه، وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلاً وَتَهَاوُنَاً فَسَقْ، وقد توعد الله من لايؤدي الزكاة حيث قال ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وَمَنْ أَدَّاهَا مُعْتَقِدَاً وَجُوبَهَا رَاجِيَاً ثَوَابَهَا، فَلْيَبْشِرْ بِالأجر الْكَثِيرِ وَالْخَيْرِ الْعَاجِلِ وَالْبَرَكَةِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَالبقرة 277
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الأَمْوَالَ التِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ وَهِيَ:
الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ، وَبَهِيمَةُ الأَنْعَامِ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ !
ولا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الأَمْوَالِ حَتَّى تَبْلُغَ النِّصَابَ وَيَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، أَيْ تَبْقَى سَنَةً كَامِلَةً فِي مُلْكِكَ !
فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَا للزينة أو التجارة، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْحُلِيُّ يُلْبَسُ أَمْ لا !
يعني الذهب الذي للباس والزينة يجب أن يزكى فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخَانُ ابْنُ بَازٍ وَابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُمَا اللهُ !
وَاعْلَمُوا أَنَّ الرِّيَالاتِ الآنَ تَأْخُذُ حُكْمَ الذَّهَبِ وَالفِضْةِ سَوَاءً أَكَانَتْ مُودَعَةً فِي حِسَابِكَ أَمْ أَنَّهَا عِنْدَكَ فِي بَيْتِك، فِإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ نِصَاباً وَجَبَتْ زَكَاتُهَا!
وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ فَهِيَ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ، فَالْحُبُوبُ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، وَأَمَّا الثِّمَارُ فَكَالتَّمْرِ وَالْزَّبِيْب !
وَأَمَّا بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ فَهِيَ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً، يعني: تَرْعَى مِنَ الْعُشْبِ فِي الْبَرِيَّةِ أَكْثَرَ السَّنَةِ، فَأَمَّا مَا كَانَ يُعْلَفُ أكثر السنة فَلا زَكَاةَ فِيهَا، وأن يكون القصد من اتخاذها الدَّر والنسل، أما لو اتخذها للعمل عليها في الحرث أو السقي أو الركوب أو أي وجه من وجوه الاستعمال: فلا زكاة فيها .
وهذا ما قرره جمهور أهل العلم من أن " العوامل " لا زكاة فيها .
إلا إذا كانت مُعَدَّةً لِلتِّجَارَةِ ! فإذا كانت للبيع، تزكى زكاة التجارة، حتى لو كانت شاة واحدة ناقة واحدة وحتى لو كانت تُعلفُ طول السنة، أو للاستعمال، فإنها تُزكى بما أنها مُعدّة للبيع، فتقوّم كالسِّلَع ماذا تساوي، فإذا كانت تساوي عشرة آلاف، زكّى العشرة آلاف، تساوي عشرين ألفًا، زكى عشرين، وهكذا. ثم يخرج ربع عشر قيمتها، أي اثنين ونصف في المائة من قيمتها.
وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ هِيَ كُلُّ مَالٍ أُعِدَّ لِلتِّجَارَةِ وَالتَّكَسُّبِ، سَوَاءً أَكَانَ مَوَادَّاً غِذَائِيِّةً أَوْ حَدِيدَاً أَوْ حَيَوَانَاتٍ أَوْ مَلابِسَ أو أراضي أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا اسْتَحْدَثَهُ النَّاسُ اليَوْمَ كَالأسْهُمِ التِّجَارِيَة !
وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ تُقَوَّمُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَتُخْرَجُ زَكَاةُ الْقِيمَةُ الْحَاضِرَةُ، وَلا يُنْظَرُ إِلى مَا اشْتَرَاهَا بِهِ، بَلْ بِسِعْرَهَا الْيَوْم !
وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ وَيَسْتَقْصِيَ فِي إْحْصَاءِ بِضَاعَتِهِ التِي أَعَدَّهَا لِلتَّكَسُّبِ وَلا يُهْمِلْ مَنْهَا شَيْئَاً، فَإِنْ كَانَ لا يَقْدِرُ فَلْيَنْظُرْ مَنْ يُحْصِيهَا وَلَوْ كَانَ بِالأُجْرَةِ ! فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَهَاوَنُ فِي شَأْنِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَلا يَحْسِبُهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ بَلْ رُبَّمَا قَدَّرَ تَقْدَيرَا، وَأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لا يُخْرِجُ زَكَاةَ تِجَارَتِهِ بِالْمَرَّةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ البُخْل !
وهنا مَسْأَلَة: وَهِيَ هَلْ تَبْرَأُ الذِّمَةُ بدفع الزكاة لعمال جباة الزكاة ؟
الْجَوَابُ: الأفضل أن تَدفع زكاتك للمحتاج بنفسك، ويجوز دفع الزكاة لعمال جباية الزكاة لِأَنَّهُمْ مُوَكَّلُونَ مِنْ وُلَاةِ الأَمْرِ وَفَقَهُمُ اللهُ، لَكِنْ إِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ أَقَلَّ مِنَ الوَاجِب، فَعَلَيْكَ أَنْ تُخْرِجَ البَاقِي بِنَفْسِكَ، وَلَا تَبْرَأْ ذِمَّتُكَ إِلَّا بِهَذَا.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ فِي زَكَاةِ الإِبِلِ قد يتساهلون ويَأْخُذُونَ قِيمَةً أَقَلَّ مِنَ الْقِيمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي السُّوقِ.
فَمَثَلاً يَأْخُذُونَ عَنِ الْحِقَّةِ أَلْفَيْ رِيَال ٍ، بَيْنَمَا قِيمَة الحقة الوسطى فِي السُّوقِ خَمْسَةُ آلَافٍ.
فَيَجِبُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ الإِبِلِ أَنْ تُخْرِجَ بَقِيَّةَ الْقِيمَةِ أَوْ تعطيهم الْحِقَّةَ.
وَاتَّقِ اللهَ وَأَبْرِئْ ذِمَّتَكَ، وَإِيَّاكَ وَالتَّهَاوَنَ فَتُصِيبَكَ العُقُوبَةُ فِي نَفْسِكَ أَوْ أَهْلِكَ أَوْ مَالِكَ !
ولايصح أن تدفع الزكاة بحِسَابِ مدينة أخرى غير التي أنت فيها، مثلا يكون في الرياض مثلاً قيمة الْحِقَّةِ أقل من قيمتها في الشرقية فيذهب الذي في الشرقية إلى الرياض ليدفع حسب قيمة الْحِقَّةِ في الرياض وهذا من التحايل ولا يصح.
ولا يجوز تأخير إخراج الزكاة لتحري وقت فاضل؛ كرمضان وعشر ذي الحجة.
ويجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد أخرى، ولكن الأفضل أن يفرقها في بلده؛ إلا إذا كان في النقل مصلحة، مثل أن يكون له أقارب في بلد آخر من أهل الزكاة، فيريد أن ينقلها إليهم، أو يكون البلد الآخر أكثر حاجة من بلده فينقلها إليهم لأنهم أحوج فإن هذا لا بأس به.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَبْخَلَ بِزَكَاةِ أَمْوَالِنَا !
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ الذِينَ تُدْفَعُ لَهُمْ قَدْ بَيَّنَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بَيَانَاً وَاضِحَاً مُفَصَّلاً.
قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَة ُأَصْنَافٍ:
الْفُقَرَاءُ: الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمَنْ يَعُولُونَهُمْ نِصْفَ سَنَةٍ؛ يُعْطَوْنَ مَا يَكْفِيهِمْ وَعَائِلَتِهِمْ سَنَةً.
والْمَسَاكِينُ: وَهُمْ الَّذِينَ يَجِدُونَ كِفَايَتَهِمْ نِصْفَ سَنَةٍ فَأَكْثَرَ، فَيُكَمِّلُ لَهُمْ نَفَقَةُ السَّنَةِ.
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلَ عِنْدَهُ مَوْرِدٌ مِنْ حِرْفَةٍ أَوْ رَاتِبٍ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ لِقَوْلِ النَّبِيِ ﷺ: "لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيِّ وَلَا لِقَوِيِّ مُكْتَسِبٍ". إِلَّا إِذَا كَانَتِ اِحْتِيَاجَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَدْخُولِهِ؛ فَيُعْطَى مِنْهَا.
والْعَامِلُونَ عَلَيهَا: وَهُمْ الَّذِينَ يُوَكِّلُهمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِجِبَايَتِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَيُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ، يُعْطِيهُمْ الْحَاكِمُ، لَا صَاحِبُ الْمَالِ، وَلَا يَأْخُذُونَهُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، وَفِي هَذَا الْعَصْرِ أَصْبَحَ الْحَاكِمُ يُعْطِي لَهُمْ رَوَاتِبَ عَلَى مَدَارِ الْعَامِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ الْأَخْذُ مِنْ الزكاة، ولا يجوز لهم َمُسَاوَمَةِ أَصْحَابِ الزكاة ويحرم عليهم أن يقبلوا الهدايا من الُمزكين.
والْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهمْ: وَهُمْ رُؤَسَاءُ الْعَشَائِرِ والقبائل الَّذِينَ لَيْسَ فِي إِيمَانِهِمْ قُوةٌ، فَيُعْطُونَ مِنَ الزَّكَاةِ لِيُقَوَّى إِيمَانُهمْ، فَيَكُونُوا دُعَاةً لِلْإِسْلَامِ .
وفي الرِّقَابُ: وَيَدْخُلُ فِيهَا شِرَاءُ العبيد مِنَ الزَّكَاةِ وَإِعْتَاقِهم، وَمُعَاوَنَةِ الْمُكَاتِبِينَ وَفَكِّ الْأَسْرَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
والْغَارِمُونَ: وَهُمْ من عليهم ديون إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يُمْكِنُهم من إيفاء دُيُونَهُمْ منه، فَهَؤُلَاءِ يُعْطَوْنَ مَا يُوفُونَ بِهِ دُيُونَهُمْ قَلِيلَةً كَانَتْ أَمْ كَثِيرَةً، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ مِنْ جِهَةِ الْقُوتِ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ هُنَاكَ رَجُلاً لَهُ مَوْرِدٌ يَكْفِي لِقُوتِهِ وَقُوتِ عَائِلَتِهِ، إِلَّا أَنَّ عَلَيْهِ دَيْناً لَا يَسْتَطِيعُ وَفَاءَهُ، فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ مَا يُوَفَّي بِهِ دَيْنَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يُسْقِطَ الدَّيْنَ عَنْ مَدِينِهِ الْفَقِيرِ، وَيَنْوِيهِ مِنَ زَكَاةِ الْمَالِ؛ فَهَذَا تَحَايُلٌ لِحِفْظِ مَالِهِ مِنَ الضَّيَاعِ، لَا دَفْعًا للزَّكَاةِ، كمن لديه مال عند شخص فقير فيقول صاحب المال إن المال الذي لي عندك لا ترده لي فهو زكاة لك، هذا لا يجوز.
وفِي سَبِيلِ اللهِ: وَهُوَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَيُعْطَى الْمُجَاهِدُونَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِيهِمْ لِجِهَادِهِمْ، وَيُشْتَرى مِنَ الزَّكَاةِ آَلَاتٌ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ.
وابْنُ السَّبِيلِ: وَهُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِي انْقَطَعَ بِهِ السَّفَرُ؛ فَيُعْطَى ِمِنَ الزَّكَاةِ مَا يُوصِلُهُ لِبَلَدِهِ.
فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَأَخْبَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ فَرِيضَةً مِنْهُ صَاِدرَةً عَنْ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الزكاة فِي غَيْرِ ما ذكر كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ أو تفطير الصائم أو شراء طعام للفقير؛ لِأَنَّ اللهَ ذَكَرَ مُسْتَحِقِّيهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ، وَالْحَصْرُ يُفِيدُ نَفِيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الْمَحْصُورِ فِيهِ، فَلا تُجْزِئُ زَكَاتُكَ حَتَّى يَكُونَ الآخِذُ لَهَا مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ!
ويجوز إعطاء الزكاة لمن يريد أن يتزوج، إذا كان لا يجد ما يكفيه للزواج.
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، اللهم إنا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ ، وَمِنْ نُفُوسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعُ وَمِنْ دَعَوَاتٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا !
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأُلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكِ، اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا وَعَنْ وَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمَين، اللهم انصر الاسلام والمسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا يعز فيه أولياؤك ويذل فيه أعداؤك ويعمل فيه بطاعتك، ويؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنا مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ بَلاَءٍ عَافِيَةً. اللَّهُمَّ آمِنْ رَوْعاتِنا، وَاسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وَأَصْلِحْ نِيّاتِنا، وَذُرِّيّاتِنا .
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينْ !
بتصرف من خطب الشيخ محمد الشرافي

الأحد، 18 مارس 2018

خطبة: تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وقدموا في يومكم ما تجدونه في غدكم، واعملوا في دنياكم لآخرتكم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
عبادالله: إن الله تعالى حكم بين العباد، فقضى عليهم بالموت والحساب يوم المعاد، يومٌ تشخص فيه الأبصار، وتبعث فيه الأرواح والأجساد ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ في هذا اليوم ينقسم الناس فريقين ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ يوم القيامة يوم فوز وخسارة، فأما أهل الجنة ففي الجنة يتقابلون، وأما أهل النار ففي النار يتخاصمون ويتلاومون ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ﴾
فأيّ شيء يقول أهل النار؟ يتخاصم أهل النار؛ كفرة وفجرة وعصاة ومستكبرون، يتخاصم لا يصلون ولا من الله يخافون، يتخاصمون مع كبرائهم وأسيادهم وقدواتهم في الضلالة والعصيان والمجون.
إذا رأوا النار أيقنوا أنهم كانوا على ضلال، أيقنوا أنهم صائرون إلى الأغلال، فتصايحوا: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ فلما يرونهم، يرون زعمائهم وشركائهم، فما أكثر القدوات الزائفة اليوم كُتاب وممثلين ودعاة وغيرهم قد حذر أهل العلم منهم ﴿قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ يتبرأون منهم ويكفرون بشركهم، فإذا بهم يتخاصمون ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ﴾ يترجونهم كما كانوا في الدنيا لهم عبيد من دون الله، يطيعونهم في معصية الله، أنتم الذين قلتم لنا في الدنيا: ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾، ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ﴾ فتأتيهم الإجابة: ﴿قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ أضلوهم ثم ضلوا عنهم، تبرؤوا منهم ﴿وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾ فأي خصومة أعظم من هذه؟ ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ثم رجعوا إلى أنفسهم يقولون: ﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ فأي حسرة! ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾
ويتخاصم أصحاب الباطل؛ يتخاصمون مع أصحابهم الذين زينوا لهم الفواحش، يتخاصون مع أصحابهم الذين دعوهم للمسكرات، يتخاصمون مع أصحابهم الذين ألهوهم عن القرآن والصلوات؛ فإذا صاروا في النار جميعًا، ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ كانوا إذا دخلوا عليهم يحيونهم يضحكون في وجوههم فصاروا في النار يتلاعنون، كانوا إذا دخلوا عليهم رحبوا بهم؛ فلما صاروا في العذاب قال بعضهم لبعض: ﴿هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ﴾ أتدرون ماذا قالوا ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ﴾ اليوم يقول: أهلاً وسهلاً بالعاصين، وغدًا يقول: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ أيها الأخوة الكرام ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾
فاسمعوا للمخاصمة، يوم الجميع بين يدي الله موقوفون، وعلى أعمالهم مسئولون، وبمعاصيهم يجازون، اسمعوا للمخاصمة: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
يبكون ويتحسرون؛ أنسيتم يوم قلتم لنا: لا تعقدوا أنفسكم ما زلتم شباب، أنسيتم يوم قلتم لنا: كلوا وتمتعوا وانسوا يوم العذاب، أنسيتم يوم قلتم لنا: خلوكم طبيعيين، أنسيتم يوم منعتمونا من الهدى وصددتمونا من الطيبين ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾ وتخاصموا أمام الله عز وجل يوم القيامة ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ﴾ فأين صحبة الباطل في الدنيا، ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾
وأين من يُسمونَ بالقدوات في الدنيا ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ اللهم فلا تجعلنا مع الظالمين، واحشرنا برحمتك مع المتقين!!

الخطبة الثانية
أَمّا بَعْدُ: فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ﴾.
عباد الله: إِخْوَةَ الإِيمانِ إِنَّ الذَّكِيَّ الفَطِنَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ دُنْياهُ لآِخِرَتِهِ ولَمْ يَبِعْ آخِرَتَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا، فَالنّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ قِسْمٌ إِلى الجَنَّةِ وقِسْمٌ إِلى النّارِ فَهُما دارانِ ما لِلنَّاسِ غَيْرُهُما فَٱنْظُرْ يا أَخِي ماذا تَخْتارُ لِنَفْسِكَ، فَالجَنَّةُ أُعدَّتْ لِلْمُؤْمِنِينَ والنّارُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ولا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وأَصْحابُ الجَنَّةِ.
أما أصحاب الجنة؛ فهنيئًا لكم يا أصحاب الجنة، يا من تصاحبتم على طاعة الله، يا من ترافقتم ابتغاء مرضاة الله، هنيئًا لكم يا أهل المساجد والجماعة، هنيئًا لكم يا أصحاب القرآن والطاعة، أصحابَ الجنة، الذين أطاعوا الله والرسول واتبعوا الكتاب والسنة، في الجنان يتقابلون، وعلى الأرائك يتكئون ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ أصحابَ الجنة ﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، أتدرون ماذا يقولون؟ وبأي شيء يتخاطبون؟ ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ ، ﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، ومن تمام النعمة على أهل الجنة أنه حتى الغل الذي في القلوب يذهبه الله عنهم ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ﴾
ويُقبِل صحبة الخير إلى بعضهم، ويتحاورون وهم على الأسرة متكئون ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾؛ أي هل سنحاسب على أعمالنا بعد الممات، قرين سوء يريد أن يصرفه عن طريق الجنة، ثم قال المؤمن لأصحابه في الجنة: ﴿قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ﴾؛ ثم ينظر إلى قرين السوء: ﴿قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ* وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾؛ أي لكنتُ معكم في العذاب، ثم يسألون أهل النار ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ ويعظم التنادي فيسمع أهل الجنة أهل النار وهم ينادون ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، وينادي أهل الجنة أهل النار، ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ اللهم فلا تجعلنا مع الظالمين، واحشرنا برحمتك مع المتقين!!
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثْنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ رَبَّنا ءاتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه فَقالَ ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اَللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ … والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.