الخميس، 25 نوفمبر 2021

الدَّين وإنظار المعسر

 أمّا بعد: فاتّقوا الله تعالى ايها الناس اتقُوا الله حقَّ التّقوى واستمسكوا بالعروة الوثقى.

عبادَ الله، إنّ مِن خُلُق المؤمن وفاءَه بالعهودِ والتِزامَه بالعقود، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾.

وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، والدَّواوينُ يومَ القيامةِ ثلاثةٌ، ومنها ديوانٌ لا يَتَجاوزُ اللهُ عنهُ وهو ديوانُ حُقوقِ العباد، وهاهُنا مسألةٌ حصلَ فيها تقصيرٌ وتساهلٌ بشأنها لمن ذاقَ طَعمَها، ألَا وهيَ مَسألةُ الدَّين.

فالناسُ اليومَ يتساهلونَ بالاستِدانةِ تَساهُلاً كبيراً، والاستِدانة لها عواقب خطيرة.

قال ﷺ: "نفسُ المؤمنِ مُعلَّقةٌ بدَينهِ حتَّى يُقضَى عنهُ"، وقال ﷺ: "إنْ قُتِلْتَ في سبيلِ اللهِ صابراً مُحْتَسِباً مُقبلاً غيرَ مُدبِرٍ كَفَّرَ اللهُ عنكَ خطاياك إلاّ الدَّين"

فيحرم على المسلم أن يجحد أو يماطل أو يتأخر في سداد مافي ذمته من الدَّين وهو قادر على سداده، فمن مات وعليه دين لن يغفر له دينه حتى لو كان شهيداً، قال ﷺ: (يغْفِرُ اللَّه للشَّهيدِ كُلَّ ذنب إلاَّ الدَّيْنَ)، والمماطلة في سداد الدين من الذنوب العظيمة التي نهى عنها الرسول ﷺ وهو داخل في ظلم الأموال وقد عدها بعض أهل العلم من كبائر الذنوب، ولذلك قال النبي ﷺ: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ). متفق عليه. 

وقد نص الفقهاء على أن المماطل فاسق ترد شهادته لظلمه وتهاونه بالحقوق. 

وهذا التصرف من المستدين يحل لصاحب المال أن يشتكيه عند الحاكم، ويحل للحاكم حبسه حتى يوفي دينه، لأنه ظلمه في ماله لقول الرسول ﷺ: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ). رواه أبوداود. 

وإذا لم يجد سبيلا عليه أبيح له أن يدعو عليه لأنه مظلوم والشرع جعل للمظلوم دعوة مستجابة كما قال النبي ﷺ: (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ). متفق عليه.

والمماطل المذموم شرعاً والمستحق للتعزير في الدنيا والعقوبة في الآخرة هو القادر على الوفاء، أما المعسر الذي لا يستطيع الوفاء فمعذور شرعا ولا يحل شكايته ويجب امهاله لأنه معذور، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

ومن كان عنده دين لأحد قد مات فإنه يسلمه لورثته، ولا يكتم ذلك ولا يتصدق به، بل يعطيه للورثة.

وإذا كان على الإنسان دين ولم يجد صاحب الدين، بأن: انتقل إلى مكان آخر أو سافر، ولم يدر عنه ولم يعرفه، فإنه بعد التحري وبعد بذل المستطاع في التعرف عليه أو على مكانه، فإذا عجز فإنه ينتظر المدة المناسبة لعله يأتيه، وإن لم يأت فإنه يتصدق بذلك على الفقراء والمساكين، أو يصرف ذلك في بعض المشاريع الخيرية، كتعمير المساجد وما أشبه ذلك، ويكون الأجر لصاحبه، ينويه عن صاحب المال، ثم إذا جاء صاحب المال فهو بالخيار، إن شاء قبل الصدقة وصارت له الصدقة، وإن شاء طلب حقه فتعطيه حقه ويكون الأجر لك فيما تصدقت به.

واعلموا ياعباد الله أنه يحرم تأخير مستحقات الاجراء كالعمال والموظفين يحرم تأخيرها عن وقت الاستحقاق، وهو تمام العمل، أو نهاية المدة المتفق عليها، فإذا كان الاتفاق على جعل الراتب شهريا، لزم دفعه للعامل في نهاية كل شهر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ) وتأخير الحق عن وقته من غير عذر يعد مطلاً وظلما. 

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة (14/390): عن صاحب عمل لا يعطي العاملين لديه أجورهم إلا عند سفرهم لبلادهم، والعاملون يرضون بذلك لقلة حيلتهم وقلة فرص العمل ولحاجتهم للمال.

فأجابوا:"الواجب: أن صاحب العمل يعطي الأجير عنده راتبه بعد نهاية كل شهر، كما هو المتعارف عليه بين الناس اليوم، لكن إذا حصل اتفاق وتراض بينهما على أن يكون الراتب مجموعا بعد سنة أو سنتين فلا حرج في ذلك ؛ لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: (المسلمون على شروطهم)" انتهى.

ويجب على من يقوم بالعمل أن يلتَزِم ويقومَ بالواجب فإذا أخلّ العامل أو الأجير بشرط العمل أو انسحب أو هرب قبل تمام العمل المتفق عليه، فإنه لا يستحق الأجرة المتفق عليها (الراتب) إلا إذا أتم ما يطلب منه من الأعمال المتفق عليها في العقد.

وجاء في" فتاوى اللجنة الدائمة" ( 15 / 153): " الواجب على من وكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب" انتهى.

فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه وردوا الحقوق إلى أهلها، واعلموا أن الله لم يجعل رزقكم فيما حرم عليكم: (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا)

اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ المَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ المَدينين.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اما بعد فيا عباد الله: قال ﷺ (مَن أنظَرَ مُعسِرًا، فله كلَّ يومٍ صَدقةٌ قبْلَ أنْ يَحِلَّ الدَّينُ، فإذا حَلَّ الدَّينُ، فأنْظَرَهُ بعدَ ذلك، فله كلَّ يَومٍ مِثْلَيه صَدقةً)

فتَذَكَّرْ أَيُّهَا الدَّائِنُ أَنَّكَ إِذَا اِحْتَسَبْتَ الأَجْرَ فِي إِقْرَاضِ أَخِيْكَ وَنَفَّسْتَ كَرْبَهُ؛ كَانَ لَكَ الأَجْرُ الذِيْ وَعَدَكَ بِهِ الحَبِيْبُ ﷺ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".

ومَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا وَأَنْجَاهُ مِنْ لَهِيْبِ الحَاجَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُجَازِيْهِ بِأَنْ يُنْجِيْهِ مِنْ لَهِيْبِ الحَرِّ يَوْمَ القَيَاَمَةِ، فَيَكُونُ مِمَّنْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

وَرَوَى الإَمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ العَرْشِ يَوْمَ القِيَامَةِ".

والتَنْفِيْسُ عَنِ المُعْسِرِيْنَ بِإِمْهَالِهِم يُفَرِّجُ كُرُبَاتِهِمْ وَهُمُومَهُم، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ يُجَازِي المُقْرِضَ بِتَنْفِيسِ أَعْظَمِ الكُرُبَاتِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ قالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهِ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ".

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَّجِيْمِ: (وَإِنْ كَانَ ذُوْ عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)

اللهُمَّ أغْنِنَا بِحَلالِكَ عن حَرَامِكَ، وبفَضْلِكَ عمَّنْ سِواك، اللهُمَّ أعْطِنَا ولَا تحْرِمْنَا، و زِدْنَا ولَا تُنْقِصْنَا، وكُنْ لنا ولا تَكُنْ علينا، واهدِنا ويَسِّرِ الهدى لنَا.

هذا وصلوا وسلموا -يا عباد الله- على من أمركم الله -تعالى- بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميع الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين

اللهُمَّ وفِّقَ ولاة أمرِنا وعلمائنا إلى ما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ، اللهُمَّ وَفِّقهم للصواب والسداد، اللهم وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة، اللهم واحفظهم من كلِّ سوءٍ ومكروه، اللهم وأعزَّ بهم الإسلام والمسلمين، اللهُمَّ وانصُرْ جُنودَنا المرابطين، ثبِّت أقدامَهُم، واجمَعْ كلمَتَهُم، ووحِّد صفُوفَهُم، واشفِ جَرْحَاهُم، وتقبَّلْ شُهدائَهُم، واخلُفهم في أهلهم بخيرٍ يا ربَّ العالمين.

عباد الله! ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

الجمعة، 22 أكتوبر 2021

التحذير من الفرقة بين المسلمين وجماعة السرورية

 أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُها، وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

فَاتَّقُوا اللهَ ياعباد الله اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوى، وتَمَسَّكُوا بالعُرْوَةِ الوُثْقى. واسْأَلُوا اللهَ العَافِيةَ مِن كُلِّ عَمَلٍ غَيرِ صَالِحٍ، أو فِكْرٍ غَير ِسَوِيٍّ.

عِبَادَ اللهِ: انحرَافُ الفِكْر ِوعَدَمُ العِلْمِ، سَبِيلُ التَطَرُّفِ والفَسَادِ، وَخِيانَةِ العَهْدِ وَالمِيثَاقِ؟ وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً﴾. 

وَوصيةُ نَبِيِّا ﷺ لَنَا بِقَولِهِ: (إنَّ اللهَ أَمَرَني بِالْجَمَاعةِ وأنَّهُ مَن خَرَجَ مِن الجمَاعَةِ شِبْراً فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ مِن عُنُقِه).

فعَقِيدَتُنَا بِحَمْدِ اللهِ تَجْمَعُ وَلا تُفَرِّقُ، قَامَتْ على مَبَادِئَ ثَابِتَةٍ، لا تُسَيِّرُهَا الأَهْوَاءُ، إنَّمَا تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. شَرِيعَةٌ خَالِدَةٌ تَنْطَلِقُ مِنْ قَولِ اللهِ تَعَالىَ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا). 

إِنَّهُ دِينُ اللهِ وَحَّدَ قُلُوبَنَا، وَجَمَعَ شُعُوبَنَا، وَبَنَى تَلاحُمَنَا وَتَرَاحُمَنَا، قال ﷺ:" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"

 عبادَ اللهِ: وَعَقِيدَتُنَا بِحَمْدِ اللهِ أَمَرَتْنَا بِالطَّاعَةِ وَلُزُومِ الجَمَاعَةِ كَمَا قَالَ رَسُولُنَا ﷺ: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ".

دِينُنَا بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى: نَظَّمَ العَلاقَةَ بَينَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ وِفْقَ مَبَادِئِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ، وَقَوَاعِدِهَا الرَّاسِخَةِ! 

قال ﷺ «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ». رَواهُ مُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللهِ: فِي ظِلِّ العَقِيدَةِ الخَالِصَةِ يَكُونُ الأَمْنُ وَتُحْفَظُ النُّفُوسُ وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ وتَأْمَنُ الطرق وتُقَامُ الحُدُودُ، وَتَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله وتُعمَرُ المسَاجِدُ، ويَفْشُو المَعْروفُ ويَقِلُّ المُنْكَرُ ويحْصُلُ الاستِقْرارُ. 

ولا يَسْتَقيمُ أمرُ الدِّينِ إلاَّ مَعَ وُجُودِ الأمنِ.

ولقد وقف عُلَمَاءِ السُّنَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ مَوْقِفَ الْمُحَذِّرِ مِنْ التفرق والانتماء لهَذِهِ الْجَمَاعَاتِ لِعِلْمِهِمْ الْجَازِمِ بِأَنَّهَا خِلَافُ النَّهْجِ النَّبَوِيِّ. 

وَغَالِبُ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ أُسِّسَتْ عَلَى طُرُقٍ صُوفِيَّةٍ مُخَالِفَةٍ لِمَنْهَجِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَوْ مَنَاهِجَ سِيَاسِيَّةٍ، وَغَالِبُهَا بُنِيَتْ عَلَى شِرْكِيَّاتٍ وَمُخَالَفَاتٍ وَبِدَعٍ وَمُحْدَثَاتٍ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ: فينبغي الْحَذَرُ مِنْهَا، وَعَدَمُ الِانْتِمَاءِ إِلَيْهَا؛ فَالْأَحْزَابُ تُفَرِّقُ وَلَا تَجْمَعُ. 

وَبِاِسْتِطَاعَةٍ كُلُّ مُسْلِمٍ الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ؛ دُونَما أَنْ يَعِيشَ تَحْتَ ظِلِّ جَمَاعَةٍ ؛ يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهَا، وَيَنْتَهِي بِنَهْيِهَا؛ وَيَلْتَزِمُ بِتعَالِيْمهَا ؛ وَيُوَالِي بِهَا، وَيُعَادِي مِنْ أَجْلِهَا ؛ وَكُلُّ عُلَمَاءِ السنَّةِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَديثِ قَامُوا عَلَى الدَّعْوَةِ الْفَرْدِيَّةِ؛ دُونَما اِنْتِمَاءٍ لِحِزْبٍ أَوْ جَمَاعَةٍ. 

فَيَا مُسْلِمُونَ: الزَمُوا عُلمَائِكم النَّاصِحينَ، وتَشبَّثوا بِجماعَةِ المُسلمينَ، وطاعَةِ وُلاةِ أُمورِكم المُخلِصينَ وَتَذَكَّروُا قَولَ اللهِ تَعَالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). 

فَالَّلهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ إيَمانَاً صَادِقَا وَعَمَلاً مُتَقَبَّلا.

-------------------------------------------------------- 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ من الْوَاجِب عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْعُقَلاَءِ وَالْخطباء أَنْ يُبَصِّرُوا الأُمَّةَ فِي أَوْقَاتِ الْمِحَنِ بِمَوَانِعِ الْفِتَنِ: كَلُزُومِ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَالسَّيْرِ عَلَى نَهْجِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى، وإِنَّ هُنَاكَ أُنَاسًا فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ خَالَفُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ عَلَيْهِمْ رَحْمَةُ اللهِ، فِي مُعَامَلَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ الْمُسْلِمِ، وَهُمْ مَا يُسَمَّى بِالْجَمَاعَةِ السُّرُورِيَّةِ، وَهِيَ جَمَاعَةٌ تَفَرَّعَتْ عَنْ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ التِي لا يخفى على عاقل فساد مَنْهَجِهَا وخطر دعوتها.

وَإِنَّ مِنْ أُصُولِ السرورية إسقاط هيبة كبار العلماء كابن باز وابن عثيمين رحمهم الله وغيرهم واتهامهم بأنهم لا يفقهون الواقع.                             

ومن شر أهدافهم أيضاً: التنقص من شأن ولاة الأمر والطعن فيهم والتحريض على الخروج عليهم.          

ومنها: تزهيد الناس في كتب أئمة الدعوة وعلى رأسها كتب التوحيد ووصف هذه الكتب بالجفاء وقد وصف الشيخ الفوزان قائل هذا القول بأنه من دعاة الضلال نسأل الله العافية.                           

وَلِذَلِكَ فَعَلَيْنَا جَمِيعًا الانْتِبَاهُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَأَفْكَارِهَا، وَلا سِيِّمَا بَعْدَ وَسَائِلِ التَّوَاصِلِ الْحَدِيثَةِ، التِي جَعَلَتْ وُصُولَ الْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ سَهْلًا، حَتَّى رُبَّمَا تَشَرَّبَهَا الشَّبَابُ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ الدِّينَ، وَهُمْ فِي الْوَاقِعِ يَهْدِمُونَهُ وَيُضْعِفُونَهُ، فَإِنَّ الْبِدَعَ شَرٌّ وَبَلَاءٌ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلَيِّ الْعَظِيمِ.

فَاللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، وَلا تَجْعَلْهُ مُشْتَبِهًا عَلَيْنَا فَنَضِل، اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ، وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ. 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنْدَكَ الْمُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ ودَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدِّينِ، وَأَرِنَا فِيهِم يومًا عجيبًا يَا ربَّ الْعَالَمِين

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلاَيَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. 

اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمّ احْفَظ جُنُودَنا الْمُرَابِطِين، اللَّهُمّ سَدَّد سِهَامِهِم وَآرَاءَهُم، وَثَبَت أَقْدَامِهِم، وَانْصُرْهُم عَلَى عَدُوَّك وَعَدُوِّهِم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

والحمد لله رب العالمين.




الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

خطبة شركيات منتشرة

 أَمَّا بَعْدُ: فـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ واحذروا من الشرك وأهله ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾

عباد الله: إن الأصل الأعظم الذي لا تصح عبادة الله إلا به والجنة حرام على من تركه ونقضه، هذا الأصل هو إفراد الله بالعبادة وهو الأصل الذي أمر الله به عباده وبعث به الرسل جميعا قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ وقال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾

فالرُسل كلهم بُعثوا بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، ومعناها لا معبود بحق إلا الله، فكل ماعُبد من دونه فهو معبود بالباطل، من عبد غير الله فهو مشرك كافر والجنة عليه حرام، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾

والشرك أعظم الذنوب، ومحبط لكل الأعمال، وسبب للخسارة والهوان، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾

وهذه أمثلة على بعض العبادات التي جعلت لغير الله في كثير من بلدان المسلمين: فمنها الدعاء والاستغاثة بغير الله فيما لايقدر عليه إلا الله.

وقد نهى الله عباده عن دعاء غيره معه فقال تعالى ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ وبين لهم أنه وحده بيده دفع الضر وكشفه، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى، قال تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

فبين سبحانه أن المدعو من دون الله، من أصنام أو جن أو ملائكة أو أنبياء أو أولياء أو صالحين، لا يسمعون دعاء من دعاهم: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ لأنهم مخلوقين ضعفاء ليس بيدهم نفع أو ضر، ولا يملكون من قطمير، وهو اللفافة التي على نواة التمر، فهم لا يملكون ما يطلب منهم ولا يسمعون دعاء من دعاهم: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ فلو فُرض أنهم سمعوا لم يستجيبوا لعجزهم، ثم قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ فسمى دعاءهم إياهم شركاً، فلله ما أعظمها من آية كافية شافية في إبطال حُجج المشركين.

ومن أنواع العبادة الشرك: اتباع من يحلل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله.

لما سمع عدي بن حاتم رضي الله عنه رسول الله ﷺ يتلو قوله تعالى ﴿اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَاباً مِن دُونِ اللَّهِ فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، قال ﷺ: (أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللهُ، فَيَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللهُ، فَيُحَرِّمُونَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ) قال الله تعالى عنهم: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ 

ومن مظاهر الكفر التي استهان بها الناس: السحر والكهانة والعرافة، قال-تبارك وتعالى-: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ وكسب الساحر حرام، وحكم الساحر القتل، ويشارك الساحر في الإثم الذين يذهبون إليه ليعمل لهم سحرا، ويحرم فك السحر بالسحر؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك، كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون ؛ لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس، وقد حذر الرسول ﷺ من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم حتى لو كان من باب التسلية أو التجربة دون أن يصدقهم، فلا تقبل له الصلاة أربعين ليلة، أي أنه لا يؤجر على صلاته أربعين ليلة، مع وجوب أدائه لهذه الصلوات لتسقط عنه الفريضة بأدائها، ولكنه لا يؤجر عليها، قال ﷺ (مَنْ أتى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَئٍ لم تقْبَل لَهُ صَلاةُ أربعينَ ليلةً) هذا إذا سأله فقط، أما إذا صدق ما يقوله فقد كفر، قال ﷺ:(مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) فالسحرة كفرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم.

ومن أعمال السحرة صب الرصاص على رأس المريض فهذا من عمل السحر والعياذ بالله.

فاتقوا الله واعلموا أن الله هو النافع والضار، وهو يُمرِض ويَشفي، ويُحيي ويميت، ويغفر الخطايا يوم الدين. ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾

أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية

أما بعد: فاتقوا الله تعالى كما أمركم بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

عباد الله: اعلموا أنه لا يجوز للمسلم أن يُعلِّق شفاءه من الأمراض، أو حمايته من العين والحسد بما يُسمَّى التمائم، وهي: ما يُعلَّق في الأعناق، أو العضد، أو تحت الوسائد، أو في الصناديق، وتسمى تعويذة وحظّاظَة وكل ذلك حرام، وشرك بالله.

فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- مرفوعاً: "من تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فلا أَتَمَّ الله له، ومن تَعَلَّقَ وَدَعَةً فلا وَدَعَ الله له" فلا وَدَعَ الله له: أي لا جعله في دعة وسكون، أو لا خفَّف الله عنه ما يخافه، وهو دعاء عليه.

وفي رواية: "من تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فقد أَشْرَكَ".

دل الحديث على أن من استعمل التمائم يعتقد فيها دفع الضرر فإنه داخل في دعاء النبي ﷺ عليه بأن يعكس الله قصده ولا يتم له أموره، كما أنه ﷺ يدعو على من استعمل الودع لنفس القصد السابق أن لا يتركه الله في راحة واطمئنان، بل يحرك عليه كل مؤذٍ.

ومِثل ذلك ما يُعلَّق بالسيارات مخافةَ العين، أو جلب الرزق، أو ما يُتَّخذ من الرقى، وهي: العزائم المخالفة للطريق المشروع، والتي تكتب بحروف مقطَّعة أو بغير العربية.

فهذه التمائم التي تعلق على السيارات، حيث توضع خرقة في مقدمة السيارة أو مؤخرتها يعتقد أنها تدفع الحسد وتمنع الحوادث فإن هذا من جنس عمل أهل الجاهلية، حيث كانوا يقلدون البهائم خوفاً عليها من العين، وقد أمر رسول الله ﷺ بقطعها، فعن أبي بشير الأنصاري نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة أنه كان مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره فأرسل رسولاً: (ألَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ)، وقال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ)، ورسول الله ﷺ يقول: (إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ) والتولة شيء تصنعه بعض النساء لأزواجهن لتزداد محبته لها.

وكذلك لايجوز وضع المصحف أو آيات في السيارة أو البيت خشية العين أو بنية دفع العين، هذا بدعة لا أصل له، ومن جنس التميمة والحروز ولا يجوز.

هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم، فقال في محكم تنزيله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، 

اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ وولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيك محمدٍ ﷺ، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحق والهدى يا رب العالمين.

اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ.

اللهم اجعلنا من أهل التوحيد والسنة واجعلنا ممن دعا إلى ذلك وتوفيته عليه. 

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الخميس، 29 يوليو 2021

خطبة ملخص أحكام صلاة المسافر

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. 

أيها الناس: جعل الله -تعالى- السَيْرَ في الأرض، ومشاهدة ما فيها من عجائب الخلق، والوقوف على أطلال السابقين، وآثار الغابرين؛ تذكرة للقلوب، وموعظة للنفوس، وعبرة بما مضى من القرون (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ

وفيما يتعلق بعجائب المخلوقات في الأرض يقول الله -تعالى-: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ)

وللناس في أسفارهم أغراض متنوعة؛ فمنها أغراض مشروعة ومنها أغراض غير مشروعة، ومنها ما يكون حتماً لا بدَّ للإنسان منه، ومنها أسفار للنزهة والترويح عن النفس، والمؤمن يعبد الله -تعالى- في حله وترحاله، ولا ينفك عن عبوديته لخالقه -سبحانه- بحال.

ولذا فإن الشارع الحكيم خص السفر بأحكام تناسب حال المسافر، فقابل مشقة السفر وعنته وغربة المسافر وشغله بالتخفيف عنه، فخفف عنه في فرائض العبادات.. في عددها وصفتها، ووضع عنه بعض النوافل، وكتب له أجرها مع أنه لم يعملها؛ لأن السفر قد منعه منها فعومل فيها كأنه قد عملها؛ تخفيفاً من الله -تعالى- على عباده، ومراعاة لأحوالهم؛ ولئلا يكون انقطاعهم عن النوافل سبباً لعزوف بعضهم عن السفر مع حاجتهم إليه؛ روى أبو موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا مرضَ العبدُ أو سافرَ كتبَ لَهُ من العملِ ما كانَ يعملُهُ وَهوَ صحيحٌ مقيمٌ"(رواه البخاري).

إن الصلاة أمرها عظيم، وشأنها كبير.. تلازم المؤمن ما لازمه عقله، فلم توضع عنه في سفر ولا مرض ولا خوف ولا غير ذلك، بل يؤديها على كل حال، إلا أن الله -تعالى- قد خفف عن العبد فشُرع له قصر الرباعية إلى ركعتين، وأصل ذلك قول الله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وجاء في حديث عن عائشةَ قالت: "فُرِضَتِ الصلاةُ ركعتينِ ركعتينِ في الحضَرِ والسَّفَرِ فأُقِرَّتْ صلاةُ السَّفرِ وزيدَ في صلاةِ الحضَرِ".(رواه الشيخان).

 ولو أتم المسافر صحت صلاته لكنه خالف السنة، وقد نهى ابن عمر -رضي الله عنهما- عن ذلك نهياً شديداً، وقيل للإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: للرجل أن يصلي في السفر أربعاً؟ قال: "لا، ما يعجبني ذلك، السنة ركعتان". إلا إذا صلى مع جماعة مقيمين أو سمع الأذان فينبغي له الذهاب للمسجد والصلاة مع الجماعة.

ولا يقصر الصلاة في بيته ثم يسافر؛ لأن النبي ﷺ لم يقصر إلا لما باشر السفر؛ ولأنه قد يعرض له ما يمنعه من السفر، ولو باشر السفر وقصر ثم عرض له ما يقتضي رجوعه فإنه لا يعيد صلاته ولو رجع من أول الطريق، أو فاتته الطائرة؛ لأنه أدى الصلاة كما أمر الله -تعالى- ولا يضره ما عرض له فأرجعه، ومن لم يتأكد حجزه فلا يقصر ولا يجمع؛ لاحتمال أن لا يسافر.

وإذا دخل عليه الوقت وهو مقيم ثم سافر فصلى الصلاة في السفر فيقصرها، قال ابن المنذر -رحمه الله تعالى-: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها".

وإذا صلّى المسافر خلف المقيم فإنه يصلي أربعاً مطلقاً حتى ولو لم يدرك معه إلا التشهد؛ لأنه مأمور أن يأتم بإمامه، سئل ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنَّا إذا كنَّا معكم صلَّيْنا أربعًا، وإذا رجَعْنا إلى رِحالنا صَلَّيْنا ركعتينِ، قال: تِلك سُنَّةُ أبي القاسِمِ ﷺ، يعني إتمامَ المسافرِ إذا اقتدى بالمُقيمِ ، وإلا فالقَصْرُ.

وإذا صلّى المسافر بمقيمين فإنه يقصر وهم يتمون بعد سلامه.

وإذا دخل المسافر مع إمام لا يدري هل يتم أم يقصر فينوي نية الإمام، إن قصر قصر معه، وإن أتم أتم معه.

ولما كان السفر محل تخفيف على المصلي فإن من السنة تقصير القراءة في صلاة السفر وعدم إطالتها، وقد ثبت عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يخففون القراءة في أسفارهم فيقرءون في صلاة الفجر بقِصَار الْمُفَصَّلِ، ويتأكد التخفيف في المطارات وصالات القطارات، وموانئ السفن؛ لئلا تفوت الرحلة على المسافرين.

وتسقط السنن الرواتب عن المسافر فلا يأتي بها إلا راتبة الفجر ويأتي الوتر، ويتأكد في حقه المحافظة عليهما في السفر لفعل النبي ﷺ، وله أن يأتي ببقية النوافل من قيام ليل وصلاة ضحى ونفل مطلق، وله أن يتنفل وهو جالس في السيارة أو الطائرة أو القطار أو غير ذلك، ولا يضره عدم استقبال القبلة، وهذا التشريع من الفرص العظيمة للمسافرين أن يقطعوا أسفارهم بالنوافل، ولا سيما أن دعوة المسافر مجابة.


ومن التخفيف في السفر مشروعية الجمع فيه؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:"يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ , وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ".

ويفعل المسافر في الجمع تقديماً وتأخيراً ما كان أرفق به؛ لأن النبي ﷺ قدَّم الجمع وأخره فدل ذلك على جواز الصورتين؛ ولأن الجمع رخصة للمسافر، والرخصة تقتضي فعل الأرفق به. 

ويشرع الأذان للمسافر ولو كان وحده، وإذا جمع فيؤذن أذاناً واحداً ويقيم لكل صلاة، والأذكار التي بعد الصلاة الأُولى عند الجمع تسقط، وتبقى أذكار الثانية، لكن إذا كان الذكر بعد الأُولى أكثر من الذكر بعد الثانية فيأتي به كما لو جمع بين المغرب والعشاء فيأتي بأذكار المغرب بعد صلاة العشاء.


وإذا جمع المسافر بين المغرب والعشاء فله أن يوتر ولا يحتاج إلى الانتظار حتى يدخل وقت صلاة العشاء.

 ولا يشترط في الجمع نية فلو صلى الظهر ثم بدا له أن يجمع معها العصر جاز له ذلك، لكن إن أراد جمع تأخير فينوي ذلك من وقت الأولى؛ لأنه لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر.


وإذا جمع في السفر ثم عاد إلى بلده ولم يدخل وقت الصلاة أو لم يصلوا بعد فلا يلزمه إعادة الصلاة، فإن أراد الصلاة معهم كانت الثانية له نافلة.

ومن صلى المغرب في المطار بعد دخول وقتها ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس فصلاته صحيحة ولا يعيد.


وعلى المسافر أن يجتهد في تحرِّي القبلة بسؤال أهل البلد أو تعيينها بالأجهزة الحديثة أو بالنجوم لمن يعرف ذلك، فإن أخطأ مع تحريه وحرصه فلا شيء عليه وصلاته صحيحة، ولو اجتهد اثنان في تحديد القبلة مع معرفتهما، ويقين كل واحد منهما أن الصواب معه فيصلي كل واحد للجهة التي يتيقنها، ولا يجوز لأحدهما أن يتبع الآخر مع يقينه بخطئه. 


ومن عجز عن تحديد القبلة أو عجز عن الصلاة إليها كما لو كان في الطائرة وهي في حالة إقلاع أو هبوط ووقت الصلاة سيخرج صلى إلى غير القبلة، فإن استطاع القيام صلى قائما في مقعده ويومئ للركوع والسجود، فإن منع من القيام صلى جالساً.


أسأل الله -تعالى- أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يوفقنا للعمل بما علمنا؛ إنه سميع مجيب.


  • الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

أيها المسلمون: من رحمة الله -تعالى- بعباده المؤمنين أنه -سبحانه- أباح لهم السفر؛ لما فيه من تحصيل مصالحهم، ثم خفف عنهم فيه لمظنة ما يلحقهم في أسفارهم من مشقة، وقد قال -سبحانه وتعالى-: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ).

واعلموا أن المسافر إذا نوى أن يقيم أربعة أيام أو أقل من ذلك، فإن له أن يقصر ويجمع الصلاة، وكذلك من أقام أكثر من أربعة أيام ولم يُجمِعِ النية على الإقامة، بل عزم على أنه متى قُضِيت حاجته رجع إلى بلده، مهما طالت المدة، أما من تيقن أنه سوف يقيم في سفره أكثر من أربعة أيام، وجب عليه أن يتم؛ (فتاوى اللجنة الدائمة ج 8 ص 109-111).

والمسافر ليس عليه جمعة، وإنما يصلي ظهرًا ولا بأس أن يجمع بين الظهر والعصر.

أما إذا صلى المسافر مع الناس الجمعة في أي بلد فإنه لا يجمع إليها العصر، بل عليه أن يصلي العصر في وقتها .[ابن باز].

ومن الناس من يتهاونون بالصلاة في أسفارهم فيؤخرونها عن وقتها، ومنهم من يترك بعض فروضها فيصلي تارة ويترك تارة، والتهاون بالصلاة فيه وعيد شديد (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).


ألا فاتقوا الله ربكم في إقامتكم وسفركم، وأقيموا له دينكم، وحافظوا على فرائضكم، وانتهوا عما حرم عليكم؛ فإنكم محاسبون على أعمالكم (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ). 


هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى قدوتنا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، كما امرنا بذلك جل وعلا في كتابه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى بلادنا خَيْرَهَا وَهَنَاءَهَا، وَتَقَدُّمَهَا وَرِفْعَتَهَا، وَرَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَانْشُرِ السَّعَادَةَ بَيْنَ أَهْلِهَا، أَنْتَ رَبُّهَا وَوَلِيُّهَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولي امرنا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَدِمْ عَلَيْهِ ‏مَوْفُورَ الصِّحَّةِ ‏وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْهُ يَا رَبَّنَا فِي حِفْظِكَ وَعِنَايَتِكَ.

وَارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَأَجْزِلْ مَثُوبَتَهُمْ، وَارْفَعْ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَتَهُمْ.

اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ والْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ: الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتَ. 

اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا وَعَنِ الْعَالَمِينَ الْوَبَاءَ، وَاشْفِ الْمُصَابِينَ بِهَذَا الدَّاءِ، وَعَافِنَا بِفَضْلِكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

فَاذْكُرُوا اللَّه العظيمَ الْجَلِيل يَذْكُرْكُم واشكروه عَلَى عمومِ نِعَمِه يَزِدْكُم ، ولَذِكرُ اللَّه أكبرُ واللهُ يَعلَمُ مَا تَصنَعُونَ.