الخميس، 4 فبراير 2021

التوكل والالتزام بالاجراءات الاحترازية

 الْحَمْدُ للهِ الذِي أَرَادَ فَقَدَّر، وَمَلَكَ فَقَهَر، وَعُبِدَ فَأَثَابَ وَشَكَر، وَعُصِيَ فَعَذَّبَ وَغَفَر، وَجَعَلَ مَصِيرَ الذِينَ كَفَرُوا إِلَى سَقَر، والذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر, نَحْمَدُهُ تَعَالَى وَحَمْدُهُ فَرْضٌ لازِم، وَنَشْكُرُهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى فَضْلِهِ الْمُسْتَمِرِّ وَإِحْسَانِهِ الدَّائِم, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, الْحَيُّ الْقَيُّومُ خَالِقُ الْعَوَالِم، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَّمَدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْمَبْعُوثُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْمَكَارِم, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَكَارِم، الْمَوْصُوفِينَ بِصِدْقِ الْعَزَائِم، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنَ العَرْبِ وَالْأَعَاجِم .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعَمَلَ, وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَهَّدَ بِالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ لِمَنْ صَدَقَ فِي التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ حَدِيثٌ عَظِيمٌ فِيهِ قِصَّةٌ سَلَفِيَّةٌ وَأَخْبَارٌ نَبَوِيَّةٌ وَفَوَائِدُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّة.

فَعَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: أَنَا، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ، قَالَ: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيْتُ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ فَقَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِيُّ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَةٍ، فَقَالَ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ، وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ (عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ, وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى ﷺ وَقَوْمُهُ، وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ).

ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ, فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ (مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟) فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ (هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، [وَلَا يَكْتَوُونَ]، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ (أَنْتَ مِنْهُمْ؟) ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ) رَوَاهُ مُسْلِم.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ, وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنَ الْفَوَائِدِ  الْعَقَدِيَّةِ وَالْمَسْلَكِيَّةِ لا تَتَّسِعُ لَهَا الْخُطْبَةُ, لَكِنَّنَا نَخْتَصِرُ مِنْهَا مَا لَعَلَّهُ يَنْفَعُ.

فَمِنْهَا : حِرْصُ السَّلَفِ عَلَى الْعِلْمِ وَالْجُلُوسِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ, وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ مَا اسْتَطَعْنَا, فَإِنْ لَمْ نَسْتَطِعْ فَنُجَالِسَ كُتُبَهُمْ وَمُحَاضَرَاتِهِمْ وَدُرُوسَهِمْ, وَغَيْرَهَا مِمَّا يُنْقَلُ إِلَينَا عَبْرَ وَسَائِلِ الاتْصَالِ الحَديثَةِ, أَوِ الأَشْرِطَةِ المسَجَّلَةِ.

وَمِنَ الْفَوَائِدِ : الْحِرْصُ عَلَى الْإِخْلَاصِ, فَإِنَّ حُصْيَنًا رَحِمَهُ اللهُ كَانَ مُسْتَيْقِظًا فِي سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ, اعْتَادَ الصَّالِحُونَ أَنْ يُصَلُّوا فِيهَا صَلَاةَ التَّهَجُّدِ, لَكَنَّهُ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ, فَلَمْ يَتْرُكِ النَّاسَ يَظَنُّونَ أَنَّهُ يُصَلِّي فَيَمْدَحُونَهُ وُيُثْنَونَ عَلَيْهِ بِصِفَةِ قِيَام ِاللَّيْلِ, وَإِنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُمْدَحَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ, فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَحْرِصَ عَلَى إِخْفَاءِ أَعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ, وَلا نَتَصَنَّعَ لِلنَّاسِ بِإِظْهَارِ شَيْءٍ مِنْهَا لِكَيْ يَمْدَحُونَا, فَإِنَّ هَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ فَوَائِدِ هَذِهِ الْقِصَّةِ : أَنَّ الاسْتِجَابَةَ لِلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُتَفَاوِتَةٌ, فِمْنُهْم مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ عَدَدٌ كَبِيرٌ, وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ عَدَدٌ قَلِيلٌ, وَمِنهْمُ مَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ أَحَدٌ, مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا رِسَالاتِهِمْ أَتَّمَّ الْبَلَاغِ وَلَمْ يُقَصِّرُوا فِي دَعْوَتِهِمْ لِلنَّاسِ,

فَنَسْتَفِيدُ أَنَّنَا إِذَا دَعَوْنَا إِلَى اللهِ وَلَمْ يَسْتَجِبِ النَّاسُ لَنَا أَوْ قَلَّ عَدَدُ الْمُسْتَجِيبِينَ فَلا نَغْضَبُ عَلَيْهِمْ, أَوْ نَيْأَسُ وَنَتَوَقَّفُ مِنَ الْخَيْرِ, بَلْ نَدْعُوا النَّاسَ لِلتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ وَنُرْشِدُهُمْ لِلْخَيْرِ وَنُحَذِّرُهُمْ مِنَ الشَّرِّ, وَأَمَّا النَّتِيجَةُ فَإِلَى اللهِ, وَالْهِدَايَةُ مِنْ عِنْدِ اللهِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ, أَنَّ مِنْ أُمَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ, وَهُمْ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَاتٍ أَرْبَعٍ, ذَكَرَهَا النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ (هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)

فَأَمَّا الاسْتِرْقَاءُ فَهُوَ أَنْ تَطْلُبَ مِنْ شَخْصٍ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْكَ بِسَبَبِ مَرَضٍ فِيكَ, وَهُوَ جَائِزٌ, لَكِنّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ تَوَكُّلًا عَلَى اللهِ وَاعْتِمَادًا عَلَيْهِ, وَلِئَلَّا يَمِيلَ قَلْبُكَ إِلَى الرَّاقِي وَتَنْسَى الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, كَمَا هُوَ حَالُ بَعْضِ النَّاسِ الْيَوْمَ, فَيَذْهَبُ لِلرُّقَاةِ لِيَرْقُوهُ أَوْ يَرْقُوا زَوْجَتَهُ أَوْ أَحَداً مِنْ أَقَارِبِهِ, ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَيَرْكَنُ إِلَيْهِمْ, وَهَذَا فِيهِ نَقْصٌ فِي التَّوْحِيدِ.

وَالسُّنَّةُ أَنْ الْإِنْسَانَ يَرْقِي نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ, بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةِ الصَّمَدِ وَالْمُعَوِّذَاتِ, وَبِآيَةِ الْكُرْسِيِّ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَوْ يَرْقِيَ أَهْلَهُ, وَيَتْرُكُ مِنْهُ الذِّهَابَ إِلَى الرُّقَاةِ, لَكِنْ لَوْ أَنَّ أَحَدًا رَقَاهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ فَلا بَأْسَ.

وَأَمَّا التَّطَيُّرُ فَهُوَ: التَّشَاؤُمُ بِمَرْئِيٍّ أَوْ مَسْمُوعٍ أَوْ مَعْلُومٍ, وَهَذَا مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ, فَإِذَا رَأَوُا الْبُومَةَ مَثَلًا أَوِ الْغُرَابَ خَافُوا وُقُوعَ الشَّرِّ لَهُمْ, وَرُبَّمَا تَرَكُوا السَّفَرَ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا عَزَمُوا عَلَيْهِ, بِسَبَبِ هَذَا الطَّيْرِ. وَبَعْضُهُمْ يَتَشَاءَمُ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ, فَيَخَافُ أَنْ يُسَافِرَ فِيهِ أَوْ يَتَزَوَّجَ, أَوْ يَعْقِدَ صَفْقَةً تِجَارِيَّةً أَوْ يَبْدَأَ فِيهِ بِنَاءَ بَيْتِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَكُلُّ هَذَا مِنَ الْخُرَافَاتِ وَالْخُزَعْبَلَاتِ التِي جَاءَ دِينُنَا الْعِظِيمُ بِنَفْيِهَا وَعَدِمِ الالْتِفَاتِ إِلَيْهَا, بَلْ جَعَلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ الْعَظِيمَةِ, فَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ) صَحَّحَهُ الأَلْبَانِي.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا الاكْتِوَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ, لَكِنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ, لِمَا فِيهِ مِنَ الإِيلَام لِلْمَرِيضِ, وَلَكِنَّ الكَيَّ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ العِلَاجَاتِ لِمَنْ يُحْسِنُ طَريقَتَه.

وَأَمَّا التَّوَكُّلُ فَمَعْنَاهُ: اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللهِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ مَعَ الثِّقَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ, وَكَيْفَ لا نَتَوَكُّلُ عَلَى اللهِ وَتَصْرِيفُ الْأُمُورِ كُلِّهَا بِيَدِهِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ, فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ (كُنْ) فَيَكُونُ, وَهُوَ الذيِ لا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً رَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فاعلموا أن من أعظم أسباب رفع البلاء عنا فعلا لأسباب التي تحول من انتشاره بيننا كما التي أكدت عليها وزارة الصحة هذه الأيام وهي المحافظة على غسل اليدين وتعقيمها ولبس الكمامة، وإحضار السجادة الخاصة وحملها عند الخروج من المسجد والتباعد بين الأفراد ومنع التجمعات كل هذا لسلامة الجميع والمجتمع.

عِبَادَ اللَّهِ: ينبغى على الجميع السمع والطاعة لتوجيهات ولاة الأمر وأخذ الأمر بجدية وحزم حتى تزول بإذن الله هذه الجائحة واعلموا أن سلامة كل الناس أمانة في أعناق الجميع فلستم الوحيدون الذين يعيشون في هذا العالم فغيركم يشاركونكم في العيش فيه ومن حقه أن يعيش حياة كريمة وينعم بالصحة والعافية فلا تكن سبباً في هلاكه بسبب استهتارك أو تساهلك في الاحترازات فإن كانت مناعتك قوية ولا تخاف من المرض فقد تحمل الفيروس وتصبح خطراً على أناس مناعتهم ضعيفة مثل أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن والأطفال وغيرهم.

فَاتَّقُوُا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ واحذروا كل الحذر من نشر الشائعات التي من شأنها إضعاف الروح المعنوية لجموع المواطنين وإثارة حالة من البلبلة وخذروا المعلومة من مصدرها ولا تتلقوا الأخبار من غير مصادرها.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، وَقَالَ : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم

اللهم أيقظْ قلوبَنا من الغَفَلاتِ، وطَهِّرْ جوارحَنا من المعاصيِ والسيَّئاتِ، ونقِّ سرائرَنا من الشُّرورِ والبَليَّاتِ، اللهم باعدْ بيننا وبينَ ذُنوبِنا كما باعدتَ بين المشرقِ والمغربِ، ونقِّنا من خطايانا كما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ من الدَّنسِ، واغسلنا من خطايانا بالماءِ والثَّلجِ والبَردِ، اللهم اختمْ بالصَّالحاتِ أعمالَنا وثبتْنا على الصراطِ المستقيمِ بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ، اللهم اجعلْنا من المتقينَ الذَّاكرينَ الَّذينَ إذا أساءوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا، اللهم انصرْ جنودنا، اللهم ثبتْهم وسددْهم، وفرِّجْ همَّهم ونفِّسْ كربَهم وارفعْ درجاتِهم. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ووفقه لما تحب وترضى.

﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا، رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَتُخْلِفُ الْمِيعَادِ.اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾.