الخميس، 26 أبريل 2018

خطبة: أخطاء شائعة في البيوع 1

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اعلموا رحمكم الله تعالى أن الله من رحمته على عباده قد أباح البيع فقال ﷻ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، فلما حرم الربا، شرع لهم بديلاً عنه أعظم منه، وأكثر استعمالاً، وأبرك وأنفع، وهو البيع، ولكن هذا البيع لا يكون جائزاً إلا إذا قيد بنصوص الشريعة، وأحكامها، وهذا البيع من بركته ما قال رسول الله ﷺ: (أَطْيَبِ الْكَسْبِ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ)، ولقد حث ﷺ على الاكتساب، التجارة والبيع، فإن فيها كسباً وبركة، قال ﷺ: (لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ -أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ- فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ)، رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح، .
واعلموا -يا إخواني- أن الشريعة قد جاءت ليس بأحكام فقط في البيوع، وإنما بآداب، وأخلاقيات للبيع، وأخلاق للتاجر، والبائع، والمشتري. قال ﷺ: (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ ، وَالْإِثْمَ ، يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ)؛ ولذلك فإنه ﷺ نبه على أمر منتشر في الباعة؛ ألا وهو كثرة الحلف، فقال ﷺ: (أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) فذكر منهم: (الْبَيَّاعُ الْحَلافُ)، يفعله كثيراً ممن لا يخافون الله يقول: رأس مالها بكذا مشتراها علينا بكذا، ويحلف بالله تعالى، وهو كاذب في ذلك، لا ينظر الله إليه، ولا يكلمه يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب أليم، وكذلك فإن من آداب البيع، وأخلاقه، السماحة من البائع، والمشتري قال ﷺ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى)، فكذلك السماحة في الشراء، وليست في البيع فقط، وبذلك تعلم أن ما يفعله بعض المشترين من التضييق على البائع، والمماكسة (المكاسرة) الشديدة المنفرة منافية للسماحة الواردة في الحديث السابق. وكذلك من آداب البيع وأخلاقه أن يقيل البائع المشتري، أو المشتري البائع من العقد إذا تبين لأحدهما إذا رغب في التراجع، فقال ﷺ: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، يعني: سامحه، وفسخ له العقد إذا تبين له أنه يريد الرجوع، وأن المصلحة لم تكن في العقد الذي عقده، فرحم الله هذا الرجل الذي يقيل أخيه المسلم، ويسامحه، ويفسخ العقد له.
ونظراً لما يحدث في البيوع من الاختلافات الشديدة؛ ولأنه مظنة للخصومة جاءت الشريعة بأحكام قاطعة تفصل النزعات بين المسلمين؛ فقال ﷺ: (إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ)، السلعة موجودة، (فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ)، أو يتركان البيع فإما أن يمشيان على قول البائع أنها بسعر كذا، ولا يبيعها إلا بكذا أو يتركان البيع، وقال ﷺ مبينا أمراً آخر مهماً يفصل النزاعات في مسألة البيوع، وهو: (إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ)، وجب البيع، يعني: لزم البائع تسليم السلعة، ولزم المشتري تسليم الثمن انتقلت السلعة إلى ملك المشتري، وانتقل الثمن إلى ملك البائع، ما معنى هذا الحديث؟ يعني: إذا ذهبت إلى محل، أو دكان فاشتريت منه، ونقدته الثمن مثلاً، فأنت مخير في الرجوع، واستعادة المال الذي دفعته، والبائع مخير في استرداد السلعة ما دمتما في المحل، وداخل الدكان، أو داخل المكان الذي تم فيه عقد البيع، فإذا تفرقتما، وخرج المشتري من الدكان، وذهب فقد لزم البيع، ولا مجال للتراجع، كل منهما يحق لهما أن يتمسك بما أخذه من الآخر، ولا إجبار لأي منهما على فسخ العقد، وإعادة ما أخذ، إلا إذا اشترط أحدهما خياراً آخر، وهو خيار الرد، وخيار الرد: أن يقول المشتري: اشتريت منك هذه السلعة؛ على أن يكون من حقي ردها لو لم تعجبني مثلاً في خلال ثلاثة أيام، يحدد وقتاً للرد، خيار الرد، أو البائع يقول: أبيعك هذه السلعة على أن لي الحق في استرداد السلعة خلال ثلاثة أيام مثلاً، فهنا لو تفرقا من المجلس، وخرجا من الدكان يكون للمشترط خيار الرد، يكون له الحق في الرجوع، وفسخ البيع إذا شاء، خلال المدة المحددة.
وبذلك تعلم -أيها المسلم- أنما يكتبه بعض التجار: في دكاكينهم البضاعة التي تباع لا ترد ولا تستبدل، معناها: إسقاط خيار الشرط، وأنه لا مجال للرد لو خرجت من المحل، وهذا جائز لا غبار عليه، إلا إذا اكتشف المشتري أن في السلعة عيباً بعد خروجه من الدكان، فإنه يجوز له أن يرجع، ويفسخ العقد، ويعيد السلعة، ويأخذ الثمن، ولو كان البائع قد كتب في الدكان البضاعة المباعة لا ترد، ولا تستبدل، فإن العيب حاجة تلجئ إلى الرد؛ إذا أراد المشتري ذلك، وكذلك البائع لو اكتشف خطأ في تسعير السلعة، وأنه كان مغبوناً، ومخطئاً فيما كتبه على السلعة يرد على المشتري الثمن، ويأخذ السلع إلا إذا اتفقا على شيء جديد، وقال ﷺ: (الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ)، اتفقا على خيار الرد، ولا يحل له أن يفارقه صاحبه؛ خشية أن يستقيل، فمن خدع وانتهز الفرصة، أن البائع مشغول، وأخطأ بالكلام، وأن التسعير على السلعة خطأ فأخذها، وأجرى العقد بسرعة، وخرج مسرعاً؛ خشية أن يكتشف البائع أنه أخطأ في الكلام مع كثرة الزبائن مثلاً، فهذا لا يجوز، وهو خداع، قال ﷺ: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ)، وكذلك فإن من الأمور التي وضحتها الشريعة في البيع أن هناك أصنافاً معينة لابد فيها من التماثل والتقابض عن البيع، لابد أن تكون الثمن، والمثمن متساويان، ولا بد أن يحدث الاستلام، والتسليم في نفس المجلس.
قال ﷺ: (الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى)، أَرْبَى: وقع في الحرام، ولا بأس في بيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب أكثرهما يداً بيد، فلو اختلفت الأصناف فباعه ذهب بفضة، فلا بأس أن يبيعه غرام ذهب بعشر غرامات فضة، إذا اختلفت الأصناف، جاز التفاوت، بشرط أن يحدث الاستلام، والتسليم في نفس المجلس، في مجلس العقد، قال ﷺ: (يداً بيد)، وفي رواية: (إِلا هَاءَ وَهَاءَ)، سلم واستلم، (وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا) أما أن يعطيه الذهب ويقول: هات الثمن بعدين حرام. لا يجوز، (وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا)، ولا بأس ببيع البر بالشعير اختلفت الأصناف أكثرهما يداً بيد، (وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا)، وفي رواية: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)، ونهىﷺ عن بيع الذهب بالورق ديناً، وبذلك تعلم أن ما يفعله بعض الناس من استبدال الذهب القديم بالذهب الجديد مع دفع الفرق حرام لا يجوز، وهو عقد ربوي، ووقوع فيما يغضب الله -سبحانه وتعالى-،لابد من التماثل نفس الوزن من الذهب بنفس الوزن من الذهب لا زيادة أبداً لا زيادة أبداً، وبذلك تعلم أنه إذا كان عند امرأتين حلي، وأحبت إحداهما أن تبادل الأخرى، فلا يجوز إلا أن يوزن كل واحد منهما، فإذا كان سواء جاز التبادل بدون تزايد، وبدون دفع أي شيء، جاز التبادل يداً بيد بنفس المجلس، وبذلك تعلم أيضاً أن رجلاً لو باع سوارين من ذهب بمائتين ريال، كل واحد يساوي مائة، فالمشتري لم يكن معه إلا مائة، فقال: هذه مائة هات السوارين، وسأتليك بالمائة بعد قليل ما الحكم؟ حرام لا يجوز، والعقد صحيح في أحد السوارين؛ لأنه تم الاستلام، والتسليم فيه، وأما السوار الأخر فالبيع فيه باطل، وهو حرام لابد من الاستلام والتسليم في نفس المجلس، فتجار الذهب إذا كانوا يبيعون الحلي بالدراهم، ولا يقبضون الثمن فوراً، فإنهم يرتكبون أمراً محرماً، وكثير منهم لا يعلمون بهذا الحكم، لا هم ولا من يشتري منهم، -مع الأسف-؛ لقلة الفقه في دين الله، فإذا كان إنسان عنده ذهب قديم، وأراد أن يستبدله بجديد خصوصاً أن البائع لا يرضى أن تعطيه سوار قديم وزنه خمسة غرامات، وتأخذ سوار جديد وزنه خمسة غرامات لا يرضى، لا ترضى النفوس، فما هو الحل؟ أنت تبيع الذهب القديم، فتأخذ الثمن وتقبضه بالريالات، ثم تشتري الذهب الجديد منه أو من غيره، بدون ربط بين الصفقتين، فتزيد في الثمن وتشتري الذهب الجديد، أو تنقص وتشتري الذهب الجديد، وبذلك ينحل الإشكال، وهذا عين ما أمر به ﷺ بلالاً لما اشترى صاع تمر جيد بصاعين من التمر الرديء، قال: (أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ)، لا تفعل لا تفعل حرام. (وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ)، وهكذا يكون الحل.
ونحن -أيها الإخوة- في هذا الزمان التي صارت فيه الأوراق النقدية بديلاً للذهب والفضة، وبهذا نشير إلى قضية يخطئ فيها الكثير وهي: أنه أحياناً عنده خمسين يريد فكة عشرات، بعض الناس يفعلون التالي: يذهب إلى الشخص فيقول: هذه خمسين ورقة أريد خمسة عشرات، هذه كلها ريالات متحدة الجنس، من نفس العملة، فيعد الآخر العشرات التي عنده، فيجدها ناقصة فيقول: ما عندي الآن إلا أربعين خذ الأربعين، وهات الخمسين، وباقي لك عندي عشرة، ما هو الحكم؟ حرام لا يجوز؛ لأنه لم يحصل التماثل، لم يحصل التساوي في القيمة عند التقابض، فهذا لا يجوز، ويقع فيها الكثيرون، فلذلك ننبه عليه، خمسين بخمس عشرات كاملة، في نفس المجلس، فإذا احتاج فماذا يفعل؟ يجعل الخمسين عنده رهن، ويأخذ الأربعين التي عنده، سلفة ليس بيعاً وشراءً لا الخمسين رهن، والأربعين يأخذها سلفة، ثم بعد ذلك يعيد الأربعين إليه، ويأخذ الخمسين التي له، هذا حل للحالة القصوى الملحة هذا هو الحل الشرعي، أما خمسين بثلاث أو أربع عشرات، والباقي بعد ذلك تعال خذها، لا يجوز؛ لأن التساوي لم يحدث في نفس المجلس.
ومن أحكام البيع أيضاً أنه لا يجوز الغرر فيه، فلابد أن يعلم المشتري السلعة، وصفتها، وأن يراها، ويعاينها قبل الشراء؛ ولذلك إذا باع لك شيء وقال: لا تفتشه، ولا تفتحه، إما أن تأخذه بكيفيته هذه، وحالته، وإلا انصرف، فلا يجوز له أن يفعل ذلك، وهو مجرم في حق الشرع؛ لأن بيع الغرض لا يجوز، فلابد أن يعاينه المشتري، وأن يفحصه؛ لكي لا يحدث غرر، وانخداع في عقد البيع، وهذه المسألة توجد أحياناً مع الأسف حتى في بعض المحلات التجارية، فإنهم يجعلون في شيء مغطى شيئاً مخفياً، ويبيعونها ، ويقولون: أنت وحظك، فقد يخرج لك شيء سعره أقل مما دفعت، اشتري ما بداخل هذه، أنت وحظك، كلمة: أنت وحظك حرام لا تجوز، مخالفة للشرع، لابد من فتحها، ومعرفة ما بداخلها قبل البيع، وقبل تسليم الثمن، وعقد العقد، وإلا لا يجوز هذا أبدا، وأما الأشياء التي لا يمكن فتحها كأسطوانات الأكسجين، فيكفي أن يعلم المشتري صفة ما بداخلها، والكمية المضغوطة فيها بالتفصيل، فيجوز عند ذلك البيع، ومن الأمور التي لا تجوز في البيع أيضاً بيع ما لا يملك، لا يجوز لشخص أن يبيع ما لا يملك، لا يجوز أن يبيع سلعة غيره بغير إذنه، وكذلك لا يجوز أن يبيع شيئاً وقف لله تعالى.
فإذا أوقف الرجل وقفاً لا يجوز له أن يبيعه لا يجوز بيع المسجد مثلاً، ولا أرض المسجد ولا أن يبني على أرض المسجد ولا أن يؤجر المسجد أو أرض تابعة للمسجد، ولا يأخذ من كهرباء المسجد، ولا شيئ يملكه جميع المسلمين.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا، وإياكم، وقافين عند حدوده، متفقهين في دينه عالمين بسنة نبيه، وأن يرزقنا أكل الحلال، واجتناب الحرام.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون، أعلموا أن هناك أمور حرمت الشريعة بيعها، وسلع لم تجز بيعها. قال ﷺ: (ثَمَنُ الْخَمْرِ حَرَامٌ ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ حَرَامٌ ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ حَرَامٌ ، وَإِنْ أَتَاكَ صَاحِبُ الْكَلْبِ يَلْتَمِسُ ثَمَنَهُ فَامْلَأْ يَدَيْهِ تُرَابًا ، وَالْكُوبَةُ حَرَامٌ ،يعني: الطبل، وَثَمَنُ الْكَلْبِ حَرَامٌ وَالْخَمْرُ حَرَامٌ ، وَالْمَيْسِرُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ،)، ونهى ﷺ عن عَسْبِ الْفَحْلِ ، وهو تأجير الفحل بمال، فإن ماء الفحل ليس للبيع، ولا للتأجير، وإنما هو شيء يتكاثر به الرعاة فيما بينهم، لا يجوز تأجير الفحل، ولا بيع ماءه، ونهى ﷺ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، يعني: القط لا يجوز بيعه، ولا أخذ ثمن على القط، ولا ما كان في حكمه كالمفترسات من الأسود، ونحوها، وقال ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ)، والخمر، والمخدرات، وغيرها من الضارات من الأشياء الضارة كالدخان والتنباك والقات، ونحوه، وإن كان أقل ضرراً لا يجوز بيعه، ولا دفع الثمن فيه، الثمن حرام، والسلعة حرام، والكسب حرام، واستعماله حرام، كذلك؛ بيع أفلام الفيديو، وأشرطة الأغاني، والآت اللهو والطرب، كلها حرام، لا يجوز بيعها، والمكسب منها حرام، يأكله الرجل في بطنه، يطعم أولاده، وكل لحم نبت من سحت، فالنار أولى به، كذلك فإن من الأمور التي لا يجوز بيعها، وهذا مهم في هذه الأيام بيع كل ما يستعمله الكفار في أعيادهم كالأشجار التي يضعونها، والزينات التي يضعونها في الأشجار، وغيرها، أو كروت عيد الميلاد كما يقولون، وبطاقات التهنئة كلها حرام، لا يجوز بيعها.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ كما أمرَكم بذلك ربُّكم ربُّ العالمينَ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقال ﷺ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد، اللَّهُمَ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ واجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ!
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ).


مختصرة من خطب الشيخ محمد بن صالح المنجد

خطبة: ابتَغُوا إِلى اللهِ الوَسِيلَةَ

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَمَّا بَعْدُ: إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: هُناكَ قضيةٌ اضطرب الناسُ فيها اضطرابًا عظيمًا، واختلفوا فيها اختلافًا شديدًا، بين مُحللٍ ومُحرِم، وغَالٍ ومُتساهِل، ونُريدُ أن نقِفَ معها لنبيِّنَ الحُكمَ في مِثلِ قولِ بعض الناس: "اللهم بحق نبيك أو بجاهه أو بقدره عندك عافني واعف عني" أو "اللهم إني أسألك بحق البيت الحرام أن تغفر لي"، أو "اللهم بجاه الأولياء والصالحين ارزقني مولودًا" أو "اللهم بكرامة رجال الدين عندك"، أو "بجاه من نحن بحضرته وتحت مدده؛ فرج الهمَّ عنَّا وعن المهمومين". ما حقيقة هذه الأقوال وحكمها؟!
تلكم القضية هي قضية التوسل، التي وصل الجهل بها عند بعض من يدعون العلم إلى أن يدّعي أن التوسل مشروع ومستحب بكافة أشكاله وصوره، بل لقد غلا بعض الجهلة فأباحوا التوسل إلى الله تعالى ببعض مخلوقاته التي لم تبلغ من المكانة ورِفعَةُ الشأن ما يؤهلها لذلك؛ كقبور الأولياء والصالحين، بل والحديد المبني على أضرحتهم، والتراب والحجارة والشجر القريبة من قبورهم وغيرها، زاعمين أن ما جاور العظيم فهو عظيم، وأن إكرام الله لساكن القبر يتعدى إلى القبر نفسه، حتى يصبح وسيلة مشروعة يتوسل بها إلى الله! ولذلك كان لابد من بيان ما هو التوسل المشروع وما هو التوسل الممنوع، لئلا يكون للناس على الله حجة، و(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ).
عباد الله: إنَّ التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ يَعْنِي التَّقرُّبَ إِلَيْهِ بِفِعْـلِ مَحَابِّهِ وَتَرْكِ مَسَاخِطِهِ، فَكُلُّ قُرْبَةٍ هِيَ وَسِيلَةٌ تُقَرِّبُ المُؤمِنَ مِنْ حُبِّ اللهِ وَرِضْوَانِهِ، وَرَحْمَتِهِ وَغُفْرَانِهِ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا وَحَثَّ عَلَى طَلَبِهَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)، أَيِ اطلُبُوا مَا تَتَوَصَّـلُونَ بِهِ إِلَى تَحْصِيلِ المَقْصُودِ مِنْ رِضَا اللهِ الوَاحِدِ المَعْبُودِ، وَذَلِكَ بِفعْـلِ كُلِّ مَا يَجْـلِبُ حُبَّهُ وَثَوابَهُ، وَيَدْفَعُ غَضَبَهُ وَعِقَابَهُ، وَيَكْفِي الوَسِيلَةَ شَرَفًا وَسُمُوًّا، وَرِفْعَةً وَعُلُوًّا، أَنَّها اسمٌ لأَعلَى مَكَانٍ فِي الجَنَّةِ، حَرَصَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى أَنْ يَنَالَهَا وَيتَبَوَّأَ مَكَانَهَا، وَهُوَ لِذَلِكَ أَهْـلٌ وَبِهَا جَدِيرٌ، يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: (إِذَا سَمِعْـتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ مِنَ الجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)، وَالتَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجِبُ أَنْ يَأَخُذَ طَرِيقَهُ المَشْروعَ، بَعِيدًا عَنْ كُلِّ تَوَسُّلٍ مَحْظُورٍ وَمَمْنُوعٍ، فَالتَّوسُّلُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ يَكُونُ بِعِدَّةِ أُمُورٍ، مَنْ توَسَّلَ بِهَا إِلَى اللهِ سَلَكَ طَرِيقَ الهُدَى وَالنُّورِ، وَحَظِيَ مِنْ فَضْلِ رَبِّهِ بِأَعظَمِ الأُجُورِ، وَمِنْهَا التَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، الذِي هُوَ دَأْبُ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، وَدَيْدَنُ الأَبْرَارِ المُتَّقِينَ، فَهَؤُلاءِ الأَبْرَارُ الأَتقِياءُ يَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)، لَقَدْ هَضَمَ هَؤُلاءِ أَنْفُسَهُمْ وَتَواضَعُوا لِرَبِّهِمْ؛ فَلَمْ يَصِفُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَبْرارٌ، بَلْ تَوَسَّلُوا إِلَى اللهِ بِإِيمَانِهِمْ أَنْ يَتَوفَّاهُمْ مَعَ الأَبْرَارِ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ التَّوَسُّلَ إِلَى اللهِ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ لاَ تَقْتَصِرُ آثَارُهُ وَثِمَارُهُ عَلَى الآخِرَةِ، بَلْ يَجِدُ المُؤمِنُ ثِمَارَ ذَلِكَ فِي دُنْيَاهُ قَبْـلَ أُخْرَاهُ، فَالمُؤمِنُ إِذَا وَقَعَ فِي شِدَّةٍ أَو حَدَثَ لَهُ عَنَاءٌ وَضَيقٌ؛ عَرَفَ كَيْفَ يَتَغلَّبُ عَلَى هَذَا العَنَاءِ وَيَخْرُجُ مِنْ هَذَا المَضِيقِ، فَعَمَلُهُ الصَّالِحُ الذِي عَمَرَ بِهِ أَوقَاتَهُ، وَأَنَارَ بِهِ حَيَاتَهُ، مَا زَالَ يَصُونُهُ وَيَحْمِيْهِ، وَسَيُخْرِجُهُ - بإِذْنِ اللهِ- مِنَ الضَّيقِ الذِي هُوَ فِيهِ، لِذَا فَهُوَ يَستَجلِبُ الرَّحْمَةَ الإِلَهِيَّةَ وَالعِنَايَةَ الرَّبانِيَّةَ بِالتَّوَسُّلِ إِلَى اللهِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فيُحفَظُ مِنْ كُلِّ عَطَبٍ، ويُحْمَى مِنْ كُلِّ مَضَرَّةٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ الشِّدَّةِ التِي حَلَّتْ بِهِ كَالذَّهَبِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَهُوَ نَاصِعٌ شَدِيدُ البَرِيقِ، وَلَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قِصَّةَ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ الذِينَ أَوَوْا إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ بَابَ الغَارِ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ وَاجَهُوا الخَطَرَ المُحْدِقَ بِهِمْ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى كَلِمَةٍ سَواءٍ، وَهُوَ التَّوسُّلُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ، فَتَوَجَّهُوا إِلَى اللهِ مُتَوَسِّلِينَ فَنَجَّاهُمُ اللهُ، لَقَدِ استَنْزَلوا الفَرَجَ بِزَادٍ مُبَارَكٍ مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ؛ فَخَرَجُوا فِي النِّهَايَةِ سَالِمِينَ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَلَمْ يَلْحَقْهُمْ ضَيْرٌ، فَلاَ شَيءَ يُنْجِي وَيُزِيلُ الأَزَمَاتِ كَفِعْـلِ الخَيْرِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وَالعَمَلُ الصَّالِحُ لاَ يَقْتَصِرُ نَفْعُهُ عَلَى فَاعِلِهِ فَحَسْبُ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ أَولاَدٍ كِبَارٍ أَو صِغَارٍ، سَارُوا عَلَى المَسِيرِ نَفْسِهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)، وَيقُولُ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا)، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).
أَيُّها المُؤمِنونَ: إِنَّ مِنَ التَّوسُّلِ النَّافِعِ المُفِيدِ التَّوسُّلَ بِأَسمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ الغَنِيِّ الحَمِيدِ، فَمَنْ دَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا مُصطَحِبًا مَعَهُ الثِّقَةَ وَالإِخْلاَصَ؛ أَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَحَقَّقَ رَجَاءَهُ، فَقَدْ سَمِعَ الرَّسُولُ ﷺ رَجُلاً يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ بِاسمِ اللهِ الأَعْظَمِ، الذِي إِذَا سُئلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ)، وَعَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ: (سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلاً وَهُوَ يَقُولُ: يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، فَقَالَ: قَدْ استُجِيبَ لَكَ فَسَلْ)، وَالتَّوَسُّلُ إِلَى اللهِ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلْيَا يُذْهِبُ الحَزَنَ وَالهَمَّ، وَيُزِيلُ الضَّيقَ وَالغَمَّ، وَيَجْـلِبُ الفَرَحَ وَالسَّعَادَةَ، وَيُحَقِّقُ لِلْمُؤمِنَ هَدَفَهُ وَمُرَادَهُ، حَسَبَ مَا شَاءَهُ اللهُ وَأَرَادَهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ مِنْ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابنُ عَبْدِكَ ابنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسأَلُكَ بِكُلِّ اسمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَو أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَو عَلَّمْـتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَو استَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجَعَلَ القُرآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلاَّ أَذْهَبَ اللهُ حُزْنَهُ وَهَمَّهُ، وَأَبْدَلَ مَكَانَهُ فَرَحًا)، وَعِنْدَمَا استَقَرَّ يُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي بَطْنِ الحُوتِ لَجَأَ إِلَى اللهِ وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِالتَّوحِيدِ وَالتَّسبِيحِ، وَحَدَّدَ اللهُ لِلْحُوتِ وِجْهتَهُ، لِيُلقِيَ عَلَى شَاطِئِ البَحْرِ وَدِيعَتَهُ، فَألقَاهُ بَعْدَمَا تَابَ وَأَنَابَ، دُونَ أَنْ يَمَسَّهُ بِسِنٍّ أَو نَابٍ، وَلَمَّا شَعَرَ بِالسُّـقْمِ وَالإِعيَاءِ أَنْبَتَ اللهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، تُظِلُّهُ وَتَحْمِيهِ، وَتَطْرُدُ عَنْهُ كُلَّ هَامَّةٍ أَو حَشَرَةٍ تُؤذِيهِ، وَاستَرَدَّ يُونُسُ نَشَاطَهُ وَعَافِيَتَهُ، وَيَمَّمَ وَجْهَهُ شَطْرَ قَومِهِ وَكَانَ قَدْ تَرَكَهُمْ كَافِرِينَ؛ فَوَجَدَهُمْ جَمِيعًا مُؤمنِينَ، كُلُّ ذَلِكَ تَحَقَّقَ بِفَضْـلِ تَوسُّلِ يُونُسَ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِلَى اللهِ بِالتَّوحِيدِ، وَالثَّنَاءِ وَالتَّمْجِيدِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ،
أفَلاَّ تَوَسَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- بِدَعْوَةِ يُونُسَ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ-؛ لِيَجِدَ مِنْ كُلِّ ضَيقٍ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ مَخْرَجًا، يَقُولُ الرَّسُولُ ﷺ: (دُعَاءُ ذِي النُّونِ فِي بَطْنِ الحُوتِ (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) لَمْ يَدْعُ بِهِ مُسلِمٌ فِي شَيءٍ قَطُّ إِلاَّ استُجِيبَ لَهُ).
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ سُؤالَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ -وَهُوَ الإِسلاَمُ- مِنْ أَجَلِّ المَطَالبِ وَأَشْرَفِ الرَّغَائبِ، وَقَدْ عَلَّمَ اللهُ عِبَادَهُ فِي سُورَةِ الفَاتِحَةِ كَيْفِيَّةَ سُؤالِهِ هَذَا، وَذَلِكَ بِالتَّوسُّلِ إِلَيْهِ بِالحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَمْجِيدِهِ، وَعُبُودِيَّتِهِ وَتَوحِيدِهِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ ﷺ يَسأَلُ رَبَّهُ المَغْفِرَةَ، بَيْدَ أَنَّهُ كَانَ قَبْـلَ ذَلِكَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ بِحَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَدْعُو إِذَا قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ فَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمََنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيِّـونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ. اللَّهُمَّ لَكَ أَسلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيكَ تَوكَّلْتُ، وَإِلَيكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيكَ حَاكَمْتُ؛ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسرَرْتُ وَمَا أَعلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)، وَمِنْ وَسَائلِ التَّوَسُّلِ إِلَى اللهِ إِظْهَارُ المُؤمِنِ ضَعْـفَهُ وَحَاجَتَهُ إِلَى رَبِّهِ وَافتِقَارَهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ دَأَبُ الأَنْبِياءِ وَالمُرسَلِينَ، وَعِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ، فَعِنْدَمَا طَلَبَ زَكَريا -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَرزُقَهُ الوَلَدَ أَعلَنَ بَيْنَ يَدَيِ الدُّعَاءِ التَّذلُّلَ وَالضَّعفَ وَالرَّجَاءَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ زَكَريا -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) ، وَعِنْدَمَا طَلَبَ أَيُّوبُ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ- كَشْفَ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ ضُرٍّ فِي الصِّحَّةِ وَفَقْدِ الوَلَدِ؛ تَوَسَّلَ إِلَى اللهِ الوَاحِدِ الأَحَدِ؛ بإِعْلاَنِ ضَعفِهِ وَإِظْهَارِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَإِصَابَةٍ، فَكَانَ جَدِيرًا بِالإِجَابَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)، وَمِنْ وَسَائلِ التَّوَسُّلِ إِلَى اللهِ الاعتِرَافُ بِالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّ مَنْ إِلَيْهِ المَرجِعُ وَالمَصِيرُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ آدَمَ وَحَوَّاءَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ-: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وَهَذَا التَّوَسُّلُ هُوَ مَا عَلَّمَهُ اللهُ لآدَمَ –عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وَمِنْ وَسَائلِ التَّوَسُّلِ التَّوَسُّلُ الممنوع، وهو توسل بِدعي؛ وهو التوسل إلى الله بما لم يَرِد في الشَّرعِ التوسلُ به؛ كالتوسل بذواتِ الأنبياء والصالحين، أو جاهِهِم، أو حقِهِم، أو حُرمَتِهِم، ونحو ذلك، فهذا توسل بِدعه؛ كأن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بجاه البدوي، أو بحق عبد القادر الجيلاني، أو بفلان وفلان، أو حتى التوسل إلى الله بنبيه بعد وفاة النبي ؛ كأن يقول: اللهم إني أتوسل إليك بنبيك أو بجاه نبيك، فهذه بدعة لا تجوز؛ لأن النبي أرحم بنا من أنفسنا ولم يدلنا على مثل هذا الفعل.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واتَّبِعُوا صِرَاطَهُ واسلُكُوا سَبِيلَهُ، وَابتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ كما أمرَكم بذلك ربُّكم ربُّ العالمينَ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقال ﷺ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد، اللَّهُمَ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ واجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ!
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ).






منقولة بتصرف

الأربعاء، 18 أبريل 2018

خطبة: فضائل شعبان ومايحدث فيه من البدع

أمَّا بعدُ: فَأوصيكم -عبادَ اللهِ- ونفسي بِتَقوى اللهِ -تعالى-: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ*  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*  لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لقد فضل الله تعالى بعض الأزمنة على بعض، وجعل لها من المزايا ما يحث المؤمن على الحرص على استغلالها، وإن من هذه الأزمنة: شَهرُ شَعبَانَ، وشَعبَانَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- كَالمُقَدَّمَةِ لِرَمَضَانَ، وَمَن بَلَغَهُ وَعَاشَ أَيَّامَهُ في طَاعَةٍ وَعَمَلِ خَيرٍ وَإِحسَانٍ، فَكَأَنَّمَا هُوَ مَن دَخَلَ المَسجِدَ لأَدَاءِ الصَّلاةِ بَعدَ الأَذَانِ، وَهُوَ في انتِظَارِ أَن تُقَامَ الصَّلاةُ.
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ ﷺ: (ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. ففي الحديث أن الناس يغفلون عن شهر شَعْبَان لكونه بين شهرين عظيمين، شَهْرُ رَجَبِ الحَرَامُ، وَشَهْرُ الصِّيَامِ؛ فَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِمَا عَنْهُ، فَصَارَ مَغْفُولاً عَنْهُ، والعبادة في زمن الغفلة عنها يكون أجرها أعظم، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنَ النَّبِيِ ﷺ إِلَى أَنَّ بَعْضَ مَا يَشْتَهِرُ فَضْلُهُ مِنَ الْأَزْمَانِ، قَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ.
وَفِي شَعْبَانَ تُعْرَضُ عَلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَعْمَالُ الْعَبْدِ خَلَالَ الْعَامِ.
فأعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام، وتعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع فأحب النبي ﷺ أن ترفع أعماله إلى ربّ العالمين وهو صائم لأنَّ الصيام من الصبر، والصبر من أفضل الأعمال التي يحبها الله تعالى وبشر عليها بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
فإذا كان شهر شعبان شهراً للصوم عند رسول الله ﷺ، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها، ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، قال سلمة بن كهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر رمضان، فاطرقوا أبواب الجنان : فإن شهر شعبان بمثائة البوابة التي تدخلنا إلى شهر رمضان، ولأن رمضان هو شهر تفتح أبواب الجنة كما أخبرنا الحبيب ﷺ بقوله (إِذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ)، واطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والناس نيام ، واطرقوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات وبالإلحاح في الدعاء فإن أبا الدرداء كان يقول: (جِدُّوا بِالدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مَنْ يُكْثِرُ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ)، هي دعوة للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب لعله يفتح عن قريب.
عباد الله: من كان عليه قضاءً من رمضان أو كفارةً أو نذرٍ فَلْيَصُمْهُ وليعجل بقضاء ما عليه قبل أن ينتهي شهر شَعْبَان ، فإنه يحرم تأخير قضاء رمضان إلى مابعد رمضان التالي.
ومن أخَّرَ القضاءُ تساهُلاً بغير عُذر حتى جاء رمضانٌ آخَرَ فإنَّه يأثمُ بذلك ويجب عليه مع قضاء الأيام أن يطعم عن كل يوم مسكينًا لكل مسكين نِصف صاع، كيلو ونصف تقريباً.
-----------
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- حَقَّ تَقوَاهُ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا﴾.
عِبَادَ اللهِ: اعلموا أن تخصيص لَيْلَةُ النِّصْفِ مِن شَعْبَان بعبادة معينة لم يَرِد عليه دليل صحيح من الشرع، وفعل أي شيء في ليلتها بقصد التخصيص هو من البِدع.
وقد استَدلَ أهل البِدعةِ بأحاديثَ ضَعِيفةٍ وموضوعه، فمنها حَدِيث: (إذا كانت لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فإن اللَّهَ يَنْزِلُ فيها لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا فيقول: ألا من مُسْتَغْفِرٍ لي فَأَغْفِرَ له، ألا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، ألا مبتلى فَأُعَافِيَهُ، ألا كَذَا ألا كَذَا حتى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) وهذا حَدِيثٍ ضَعِيفٍ لايصح.
فلم يرد دليل على تخصيص النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بصَيامُ وَلَيْتَهُمْ يصَومُونَهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، أَوْ يصَومُونَهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ البِيضِ، بَلْ يصَومُونَهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ النِّصْفُ مِنْ شَعْباَنَ وهذا بِدعَةٌ.
ولم يرد دليل على إِحْياءُ لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَان بما يُسَمَّى بصلاة البَرِاءة، وهي مائة ركعة، أو ما يُسمى بصلاة الألفية، أو صلاة سِتَ ركعاتٍ بِنِّيَةِ دَفّعِ البَلاء، وطولِ العُمُر، والاستغناء عن الناس، أو قراءة سورة (يس) والدعاءِ في  لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ بدعاء مخصوصٍ بقولهم: (اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ، وَلَا يُمَنُّ عَلَيْكَ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ..) أو الإحتِفال بِلَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ، وَرُبَّمَا يُزَيِّنُوا بُيُوتَهُمْ، أو الإعتِقَادُ أنَّها مثلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ في الفَضل.
وكذلك يستدلون بحديث: (يا عليُّ من صلَّى مائةَ ركعةٍ في النِّصفِ من شَعْبَانَ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ بفاتحةِ الكتابِ، و﴿قُلْ هَوَ اللهُ أَحَدٌ عشرَ مرَّاتٍ، قال النَّبيُّ ﷺ: يا عليُّ ما من عبدٍ يُصلِّي هذه الصَّلواتِ إلَّا قضَى اللهُ عزَّ وجلَّ له كلَّ حاجةٍ... إلخ). وهذا حديث موضوع ولا يصح الاستدلال به.
وَكُلُّ هَذَا مِنَ الأُمُورِ المُحْدَثَةِ، الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبيُّ ﷺ وَلَا صَحْبُهُ، وَلَا مَنْ تَابَعُوهُمْ، وَهُمْ الحُجَّةُ لِمَنْ أَرَادَ سَوَاءَ السَّبِيلِ.
عباد الله: احرصوا أن تعبدوا الله تعالى بما شَرَعَ لكم في كِتابِهِ أو جاء مَُبيَّناً في سُنَّةِ رسوله وما كان عليه الخُلفاء الراشدون المهديون من بعده، وإياكم والبدع فإنَّ البِدع ضلالات وطامات ولا يستفيد العبد من عملها إلاَّ البعد من الله تبارك وتعالى، فتًفَقًّهُوا في دينِكُم، واجتهدوا في تَعلُّمِ سُنَّةَ نبيكم ففي ذلك الخير لكم في الدنيا والآخرة.
أسال الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يعيننا وإياكم على التمسك بكتابة وسنة نبيه وأن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً. وأسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يُحسِنَ عملنا فيه.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنَّكَ تَعلَمُ مَن سَيُدرِكُ مِنَّا رَمَضَانَ مِمَّن لا يُدرِكُهُ، اللهُمَّ إِنَّا نَستَودِعُكَ أَنفُسَنَا وَقُلُوبَنَا، اللَّهُمَّ مُدَّ عَلَى طَاعَتِكَ آجَالَنَا، وَبَلِّغْنا فِيمَا يُرضِيكَ آمَالَنَا، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ كما أمرَكم بذلك ربُّكم ربُّ العالمينَ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال ﷺ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد، اللَّهُمَ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ واجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ!
الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهم بلغنا رمضان وانت راض عنا يا ارحم الراحمين، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه واجعلنا فيه من عتقائك من النار.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.