الخميس، 28 يونيو 2018

خطبة جمعة: أحكام قضاء الصلوات الفائتة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ الله تعالى، جعل مَن طبيعة البشرِ السهوُ والنسيان، وقد حصل ذلك لنبيِّنا ﷺ حيث قال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ) (البخاري 401، ومسلم 1311).
وأكثر ما يكون السهو والنسيان في الصلاة، لكثرتها وحرصِ الشيطان على إبطالها، وقد حُفظ عن النبيِّ ﷺ أنه سها في صلاته في خمسةِ مواضع.
عبادالله: اعلموا أن قضاء مافات من الصلوات واجب لقول النبي ﷺ: (مَن نسي صلاةً، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).
واعلموا أنه لا خلاف بين الفقهاء في وجوب القضاء على النائم والناسي، فهذا أجمع عليه العلماء.
أما الناسي؛ فلقولُ النبي ﷺ: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرهَا، وَلا كَفَّارَةَ لَهَا إلاَّ ذَلِكَ)، وأما النائم؛ فلِمَا روي أن النبي - ﷺ- قال: (إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلاَةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)، وبناءً على ذلك؛ فلا إثم على الناسي أو النائم في حالة القضاء، ويستثنى من ذلك من يتعمد النوم عن الفريضة أو كانت عادته أن ينام عنها فهذا في خطر عظيم.
أما من يتعمد ترك الصلاة فجمهور العلماء على وجوب القضاء عليه مع الإثم، وذلك مستفاد من مفهوم الخطاب؛ حيث إن وجوب القضاء على الناسي والنائم مع سقوط الإثم عنهما ورفع الحرج، يدل على وجوبه على العامد من باب أولى، ويكون ذلك من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وهذا يؤيِّده عموم قوله ﷺ: (فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى).
اما كيفية قضاء الفوائت: فالأصل في القضاء أن يكون مماثلاً للأداء، وعلى ذلك فإن الأصل أن نقضي الفائتةَ بنفس صفة أدائها، فإذا فاتت وهو في سفر وذكرها في السفر صلاها ركعتين، مثلًا نسي الظهر يوم الثلاثاء وذكرها في يوم الأربعاء وهو بالسفر ما زال في السفر يصليها ركعتين لأنه تركها في السفر وذكرها في السفر فيصليها ركعتين.
أما إذا فاتته صلاة وهو في السفر وتذكرها في الحضر فإنه يؤديها أربعاً، فإذا نسيها في السفر أو نام عنها فلم يتنبه إلا بعدما جاء بلده فإنه يصليها تامة كاملة في الحال ولا يؤخر، لأنه ذكرها حين وجبت عليه الصلاة تامة فيصليها أربعًا.
ولو فاتته صلاةٌ في حالة الإقامة ثم سافر، فإنه يُتِمُّها أربعًا؛ لأن العبرة بوقت الوجوب، فيصليها أربعاً في السفر إذا ذكرها، إن كان قد نسيها فإنه يصليها أربعاً إذا ذكرها في السفر، وهكذا صلاة السفر إذا ذكرها في الحضر فإنه يصليها أربعاً، ومَن فاتته صلاة سريَّة قضاها كذلك، أو جهرية فكذلك.
ومن نسي الصلاة حتى دخل وقت الصلاة الثانية، ثم ذكرها فله ثلاثة أحوال:
1- أن يتذكر الصلاة الفائتة قبل أن يبدأ في الصلاة الحاضرة، فيجب عليه حينئذٍ أن يبدأ بالصلاة الفائتة، ثم يُصلي الصلاة الحاضرة.
2- أن يصلي الصلاة الحاضرة ويتمها ثم يتذكر أن عليه صلاة فائتة لم يصلها، فإن الصلاة الحاضرة صحيحة ويصلي الصلاة الفائتة فقط. وهو معذور في عدم الترتيب بالنسيان.
3- أن يتذكر أثناء الصلاة الحاضرة أنه لم يصلِّ الصلاة السابقة (الفائتة) فإنه يتم الحاضرة وتكون نفلاً، أو يقطع صلاته، ثم يصلي الفائتة، ثم يعيد بعدها الحاضرة محافظة على الترتيب. المغني (2/336-340).
ويستحب قضاء الصلاة الفائتة في جماعة، وقد فعل الرسول ﷺ ذلك حين فاتته أربع صلوات يوم الخندق، وقد مر الحديث الدال على ذلك.
رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَالًا فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا وَأَحْسَنَ، كَمَا تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ)
هذا ولا يصح تأخير الصلاة الفائتة لصلاتها مع مثيلتها إنما يصليها عندما يذكرها.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه (صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه) وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فقد تحدثنا عن أحكام قضاء الفوائت من الصلاة في حال فاتته الصلاة كلها ولكن ماذا لم فاتتك ركعات من الصلاة؟
وهو ما يسمى بالْمَسْبُوقُ، والْمَسْبُوقُ هُوَ مَنْ سَبَقَهُ الإِمَامُ بِكُلِّ الرَّكَعَاتِ أَوْ بَعْضِهَا.
من أحكام المسبوق:
1. يستحب للمسبوق إذا جاء للمسجد أن يأتي بسكينة ووقار، قال ﷺ: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا) رواه البخاري (600).
وقد استثنى بعض أهل العلم: إذا خشي فوات الجماعة، فله أن يسرع سرعة يسيرة؛ لكي يدرك الجماعة.
2. المسبوق لا يعتبر مدركاً للجماعة، إلا إذا أدرك ركعة من الصلاة، والركعة إنما تدرك بإدراك الركوع، لحديث النبي ﷺ: (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) اخرجه مسلم.
3. المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً، فإنه يَجِبُ عليه أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِيَامُ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ الَّذِي يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا يَجِبُ أَنْ تَقَعَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا فِي حَالِ قِيَامِهِ، فَإِنْ أَتَى بِحَرْفٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا، بِلَا خِلَافٍ.
4. إذا جاء المسبوق والإمام راكع، فالأحوط أن يكبر تكبيرتين: الأولى للإحرام والثانية للركوع، فإن كبر للإحرام فقط وهو قائم، ثم ركع من غير أن يكبر للركوع، أجزأه ذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم.
5.إذا أدرك المأموم الإمام راكعا: أجزأته الركعة، ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام.
6. يجوز للمسبوق أن يصلي خلف الصف وحده، إذا لم يجد في الصف الذي قبله مكاناً له.
7. إذا جاء المسبوق بعد الركوع الأخير، فإن الأفضل في حقه أن يدخل مع إمامه، ولا ينتظر جماعة أخرى.
أن ما يدركه المسبوق مع إمامه، هو أول صلاته، فلو أدرك المسبوق مع الإمام الركعة الثانية من صلاة المغرب مثلاً، فهذه الركعة تعتبر الثانية للإمام، والأولى للمأموم.
فإذا أدرك مع الإمام ركعتين من العشاء فإنها تكون أول صلاته، فإذا سلم الإمام يقوم يأتي بالركعتين الأخيرتين، يقرأ فيهما الفاتحة سرًا؛ لأنها آخر صلاته.
وهكذا إذا أدرك واحدة من المغرب فإن الثنتين الأخيرتين هما آخر صلاته، فالأولى يقرأ فيها الفاتحة وسورة أو آيات ويجهر بعض الشيء جهراً لا يشوش على من حوله، والأخيرة يقرأ فيها الفاتحة سراً؛ لأنها هي المكملة لصلاته.
ومن أدرك ركعة من صلاة الجمعة مع الإمام فإنه يقوم ليأتي بالركعة الثانية بعد سلام الإمام، وصلاة الجمعة صلاة جهرية فيشرع له أن يجهر في قراءته في الركعة الثانية وكذلك صلاة الفجر.
والمسبوق لا يكون مدركاً لصلاة الجمعة، إذا فاته الركوع في الركعة الثانية، وعليه، فإذا جاء بعد رفع الإمام في صلاة الجمعة من الركوع في الركعة الثانية، فقد فاتته الجمعة فيدخل مع الإمام ويتمها ظهرًا أربع ركعات بعد تسليم الإمام.
والأحوط للمسبوق، أن لا يقوم لقضاء ما فاته من الصلاة، إلا بعد أن ينتهي الإمام من التسليمة الثانية.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفقهنا في صلاتنا، وأن يعيننا وإياكم على تصحيحها، وأن يتجاوز عما وقعنا فيه من أخطاء، وأن يفقهنا وإياكم في ديننا، وأن يتقبل منا.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميع الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومُنَّ علينا بالتوفيق لما تحب وترضى يا أرحم الراحمين واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم اجعلنا من الغانمين في صلاتنا الخاشعين المفلحين الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر
اللهم عظم قدر الصلاة في قلوبنا واجعلنا من عبادك الركع السجود
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
﴿رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا
عباد الله ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
https://docs.google.com/document/d/1upJrc1gqkyIWE85bZBVeIwiwmaPD84aJBnR2xm4W_EM/edit?usp=sharing

الأحد، 24 يونيو 2018

خطبة جمعة: أذية الناس

إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ‏‏ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
أيها المؤمنون: الإسلام له سمات وصفات، وسمة الإسلام ليس هو القيام بأركانه فحسب، والانتماء له فقط، بل الإسلام هو الدين بأخلاقه وفرائضه، بآدابه وأركانه، بفروعه وأصوله: يوضح ذلك ما قاله النبي ﷺ: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)
وقدوتنا في الأخلاق الحسنة، والسيرة الطيبة رسول الله ﷺ، كيف لا وقد مدحه الله في القرآن فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
عباد الله: إن كف الأذى عبادة جليلة دل الكتاب والسنة على فضلها وعظم منزلتها، قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينً)
إن إيذاء المسلمين ورد فيه وعيد شديد وعقوبة أخروية، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وتؤذي جيرانها بلسانها: فقال ﷺ: (لا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ فِي النَّارِ) صححه الحاكم وابن حبان.
وأذية الناس لها أنواع كثيرة خطيرة منها: مضايقتهم في طرقاتهم وشوارعهم بإلقاء الأذى فيها من النفايات والأوساخ والنجاسات، وبعض الناس لا يبالي بوضع هذه الأشياء في طرقات المسلمين، وقد أخبر النبي ﷺ، أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة وأنها من شعب الإيمان، مما يدل على أنه مطلوب من المسلم أن يزيل الأذى عن طريق المسلمين، فكيف يلقي الأذى في الطريق.
ومن أذية المسلمين في طرقاتهم: وضع المخلفات في الطرقات، وأمام أبواب المنازل والمحلات، أو حرق المخلفات داخل البيوت أو بالقرب منها.
ومن أذية المسلمين: قضاء الحاجة بالتبول أو التغوط في طريقهم أو مواردهم أو في الظل الذي يجلسون فيه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ) قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: (الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) رواه مسلم. وذلك أن من فعل شيئاً منها لعنه الناس وشتموه، وقد أخرج الطبراني بإسناد حسن: أنَّ النبي ﷺ قال: (مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعَنَتُهُمْ) وهذه الأحاديث تدل على استحقاقه اللعنة.
وهذا الحديث كالقاعدة للإنسان في عدم إيذاء الغير والمارة، وقد تساهل كثير من الناس في هذا الباب، فصاروا لا يبالون بأذية الناس؛ في طرقاتهم وممتلكاتهم، وأماكن جلوسهم واستراحاتهم، يطرحون القمامة على الطريق، ويلقون الأحجار والحديد، وقطع الزجاج والمخلفات والمعلبات، ويتركون المياه تسيل في الشوارع، ويوقفون سياراتهم في الطرقات لقضاء حوائجهم من المحلات أو يغلقون الطريق بحجة السلام والمحادثة، وتجد من يغلق السير على الآخرين، وسيارته في وسط الطريق، أو جالس فيها يطلب ما لذ وطاب، وكأن الشارع كله ملكا له، فلا يبالي بإخوانه، وأهم شيء عليه نفسه، وقضاء حاجته.
ماذا يكون شعورك إذا أغلق على سيارتك؟ أو سد باب منزلك؟ أو وقف شخص أمامك؟ أو رمى بمشروباته أمامك؟ ماذا يكون الشعور إذا ذهبت للمسجد ولم تجد مكان لسيارتك بسبب شاحنة قد أوقِفَت على طريق المسجد.؟!
ومن أذية المسلمين: ما يفعله بعض الجشعين الذين يلهثون وراء جمع المال بحيث يؤجرون بيوتهم أو شققهم للعزاب الذين يضايقون الجيران، ويؤذونهم بالوقوف أمام الأبواب والنوافذ للنظر على أحوال الداخلين والخارجين، والنظر إلى النساء، وكثير منهم لا يصلون مع المسلمين ولا يعرفون المساجد وهم قريبون منها أو بجوارها وبعضهم غير مسلم ومنهم من يأكل ويشرب الحرام، فيشكلون خطراً على المسلمين المجاورين لهم، والسبب في ذلك هو المؤجر وهو الذي يتحمل كثيراً من إثمهم وتصيبه دعوات المسلمين الذين تضرروا من هؤلاء ودعوة المظلوم مستجابة.
فاتقوا الله يا من تؤجرون أمثال هؤلاء الفسقة أو الكفرة بين العوائل، إنكم محاسبون على ذلك وآثمون والمال الذي يأتيكم منزوع البركة لأنه قائم على أذية الناس، فاتقوا الله واحترموا حقوق المسلمين.
ومن أذيةالمسلمين: أذيتهم في مساجدهم برفع أصواتهم داخل المسجد أو الضحك أو عدم التطيب والتزين للصلاة، فيصلي بروائح كريهة ولايحترم المصلين.
ومن أذية المسلمين في مساجدهم العبث بمحتويات المسجد من مكيفات وإنارة ومن يعترض على كل شي في المسجد ويريد أن يفصل كل شي على حسب ما يراه، ويثير المصلين ضد المؤذن والإمام.
ومن أذية المسلمين: مايفعله بعض الشباب برفع أصوات الأغاني والشيلات التي كثرت في هذا الزمان بواسطة الأجهزة الحديثة في البيوت والسيارات وصار أصحابها لا يبالون بقلق من حولهم منها وتأذيهم بها. نسأل الله السلامة والعافية.
فلم يكتفي بفعله للحرام بل فضح نفسه وجاهر بالمعصية، وكذلك تسبب في أذية الناس.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة والنجاة من النار.

الخطبة الثانية

أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
اتقوا الله واحذروا إيذاء المؤمنين، بل أحبوهم وأحسنوا إليهم.
عباد الله: إنّ من حقّ الناس عليك ألا تبادر بإزعاجهم، فمنهم المريض ومنهم النائم، ومنهم الطالب الذي يدرس، فالفضاء العام ليس ملك الفرد، بل هو ملك الجميع.
وإن من أذية المسلمين إزعاجهم بأصوات الأبواق أو مايسمى بالبوري من غير حاجة عند البيوت وفي الأسواق، سواء من سائقي باصات نقل الموظفين أو نقل الطالبات فليحذروا من إزعاج المسلمين في بيوتهم فتجد أحدهم يزعج أهل الحي من أجل أن يخرج عامل أو من أجل نقل طالبة وهو بذلك قد أزعج الناس.
بل إنهم استبدلوا تحية السلام بصوت السيارة.
ومن أشكال أذية الناس: تصويرهم بدون اذنهم ونقل حديثهم الخاص واستغلال هفواتهم ونقلها للعامة
ومن أشكال أذية الناس: ترك الدواب خاصة الإبل تعترض الطرقات، وكم حصل من كوارث مروعة؟! وحوادث مزعجة؟!
كل ذلك يدخل في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً).
فالخلاصة أيها الإخوة: دائما انظر لإخوانك، كما تنظر لنفسك، وخذ قاعدتين نبويتين، لو طبقناهما لصلح طريقنا ومسارنا.
الأولى: قال ﷺ (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
الثانية: قال ﷺ (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ).
اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وجنبنا الفواحش والآثام.
اللهم طهر قلوبنا تجاه أقاربنا وجيراننا وإخواننا المسلمين، اللهم أرزقنا المحبة والألفة والتعاون على البر والتقوى.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
هذا وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله، فقد أمركم ربكم بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميع الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنا ذَنباً إِلاَّ غَفَرتَهُ، وَلاَ عَيباً إِلاَّ سَتَرتَهُ، وَلاَ مَرِيضاً إِلاَّ شَفَيْتَهُ، وَلاَ أَسِيراً إِلاَّ فَكَكْتَ أَسْرَهُ، وَلاَ عَسِيراً إِلاَّ يَسَّرْتَهُ، وَلاَ تَائِباً إِلاَّ قَبِلْتَهُ، وَلاَ دُعَاءً إِلاَّ اسْتَجَبْتَهُ، وَلاَ مُجَاهِداً فِي سَبِيلِكَ إِلاَّ نَصَرْتَهُ، وَلاَ عَدُوّاً إِلاَّ أَهلَكْتَهُ، وَلاَ مُنْفِقاً فِي سَبِيلِكَ إِلاَّ أَخْلَفْتَ عَلَيْهِ، وَلاَ طَالِباً إِلاَّ وَفَّقْتَهُ، وَلاَ حَاجةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ لَكَ فِيها رِضاً وَلَنا فِيها صَلاَحٌ إِلاَّ يَسَّرْتَها وَأَعَنْتَنا عَلَيْها بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ بَلِّغْنا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ سَابِقَةِ عَذَابٍ وَلاَ حساب، اللَّهُمَّ اجْعَلنا مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَمَتِّعْنا بِالنَّظَرِ إِلى وَجْهِكَ الكَرِيمِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فَرَجاً قَرِيباً مِنْ عِنْدِكَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ
اللَّهُمَّ احْقِنْ دِماءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. اللَّهُمَّ عَلَيْكَ باِلفِئَةِ البَاغِيَةِ الّتِي تَسْتَحِلُّ الدِماءَ وَالأَمْوَالَ وَالأَعْرَاضَ وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنافِقِينَ. اللهم آمنا في أوطاننا...
عباد الله! ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

الثلاثاء، 5 يونيو 2018

زكاة الفطر وأحكام العيد

أَمَا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله:ها هو شهركم قد تصرّم، وصدق الله لما قال: ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ. يعني: سرعان ما تنقضي، فها قد ذهب أكثر الشهر، فسبحان مكور الليل على النهار، ومكور النهار على الليل. ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ
وإن من رحمة الله أن شرع عبادات جليلة في آخر الشهر يزداد بها الإيمان و يجبر بها ماحصل في الصيام من خلل أو نقصان، فمنها زكاة الفطر فهي فريضة على كل مسلم.
قال ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ. متفق عليه.
وَيُؤدِّي الرَّجُلُ الزَّكَاةَ عَنهُ وَعَمَّن تَكفَّلَ بِنَفَقَتِهِ وَلَابُدَّ لَهُ مِن أنْ يُنفِقَ عَلَيهِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِصَدَقَةِ الفِطرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَالحُرِّ وَالعَبدِ مِمَّن تَمُونُونَ.
فهذا الحديث يدل على أن زكاة الفطر فريضة على كل مسلم، ولو كان مجنونًا لاعقل له أو صغيراً لم يبلغ فإنها تجب الزكاة عنهم ويخرجها وليهم، وَلَا يَجبُ فِي جَنِينِ الحَامِلِ؛ لأنَّهُ لَيسَ مِن أهْلِ رَمَضَانَ حَقِيقَةً، بل تستحب لفعل عثمان رضي الله عنه إلا إذا وُلد قبل العيد فتجب عليه زكاة الفطر.
ولا تجب زكاة الفطر إلا على المسلم أما الكافر فليس من أهل الزكاة حتى يسلم، فالمسلم إذا كان عنده عامل أو خادمة أو ولد كافر لا يزكي عنه؛ لأنه خبيث بالكفر لا تطهره الزكاة، فلا زكاة إلا على المسلم.
وإذا كان العامل أو الخادمة مسلم فلا يزكى عنه إلا إذا شرط عليه العامل أن تكون زكاة الفطر على الكفيل، ويجوز للكفيل أن يتبرع عن مكفوله بزكاة الفطر ويجب أن يخبره بذلك.
ولا يجزئ دفع زكاة الفطر إلا للفقراء خاصة، والواجب أن تصل إلى الفقير، أو وكيله في وقتها، ويجوز للفقير أن يوكّل شخصًا في قبض ما يُدفع إليه من زكاة، فإذا وصلت الزكاة إلى يد الوكيل، فكأنها وصلت إلى يد موكله، فإذا كنت تحب أن تدفع فطرتك لشخص، وأنت تخشى أن لا تراه وقت إخراجها، فمره أن يوكل أحدًا يقبضها منك، أو يوكلك أنت في القبض له من نفسك، فإذا جاء وقت دفعها، فخذها له بكيس أو غيره، وابقها أمانة عندك حتى يأتي.
ومن يأخذ زكاة الفطر يُخرج زكاة فِطره مما يأتيه من الناس، إلا أن يكون لا يوجد عنده مايكفي.
وأفاد الحديثُ مقدار زكاة الفطر عن الشخص الواحد، أنها محدودة بصاع، لم يرهق الشرع الناس، ما فرض عليهم أكثر من صاع عن كل شخص، وهذا الصاع وحدة حجمية، يختلف وزنه بحسب ما يوضع فيه، فوزن صاع التمر يختلف عن وزن صاع القمح، يختلف عن وزن صاع الأرز، وهكذا وإن كان هناك تقارب، فهي لا تتجاوز ثلاثة كيلو غرامات من الطعام الموضوع في الصاع.
وأما وقتها فالأفضل أن تُخرج يوم العيد قبل صلاة العيد فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما في الحديث السابق: وَأَمَرَ بِهَا - يعني الرسول ﷺ - أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ.
ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين فللمسلم أن يخرجها يوم التاسع والعشرين أو الثامن والعشرين.
ويحرم تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد لقول ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، مَنْ أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ. وزكاة الفطر كما في الحديث تجبر ما يكون في الصوم من نقص وخلل.
وزكاة الفطر، تطهر الصائم مما وقع في صومه من النقص وتكمله، قال بعض السلف: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة تجبر نقصان الصيام كما يجبر سجود السهود نقصان الصلاة .ا.هـ
عباد الله زكاة الفطر عبادة من العبادات يجب أن نلتزم فيها بما ورد عن النبي ﷺ من إخراجها صاعاً من الطعام كالتمر والأرز والطحين، وذهب جمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد) إلى أنه لا يجوز دفع زكاة الفطر قيمة ، بل الواجب أن تخرج طعاما كما فرضها رسول الله ﷺ.
فلا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقوداً بأي حال من الأحوال ، بل تدفع طعاماً ، والفقير إذا شاء باع هذا الطعام وانتفع بثمنه ، أما المزكي فلابد أن يدفعها من الطعام ، ولا فرق بين أن يكون من الأصناف التي كانت على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من طعام وجد حديثاً ، فالأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع من البر.
وزكاة الفطر تدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه أو كان لا يعرف المستحقين فيه، وكّل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق. وبناء على ذلك فمن أقام في بلده أكثر رمضان، ثم سافر إلى بلد آخر في أواخر رمضان فالأولى له أن يدفع زكاة الفطر في البلد الذي سافر إليه لأنه البلد الذي غرب عليه فيه شمس آخر يوم من رمضان،
وإذا كان أهل البيت يخرجونها عن أنفسهم فإنه لا يلزم الرجل الذي تغرب عن أهله أن يخرجها عنهم ، لكن يخرج عن نفسه فقط في مكان غربته إن كان فيه مستحق للصدقة من المسلمين ، وإن لم يكن فيه مستحق للصدقة وكّل أهله في إخراجها عنه ببلده.
ويجوز نقل زكاة الفطر إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
أما بعد فاتقوا الله ياعباد الله وتزودا بالعمل الصالح فيما بقي من هذا الشهر المبارك ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ
عباد الله: قال تعالى في آيات الصيام من سورة البقرة ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُم﴾ أي: ولتذكروا الله بالتكبير عند انقضاء عبادة الصيام.
فيُسنُ الجهر بتالكبير والتهليل للرجال في المساجد والأسواق والبيوت، إعلانًا لتعظيم الله، وإظهارًا لعبادته وشكره.
ويكون هذا بغروب شمس آخر يوم من رمضان، في المساجد والبيوت والأسواق ، ويتأكد هذا التكبير والجهر به عند الخروج إلى صلاة العيد فيكبر الناس ليلة العيد إلى دخول الإمام لصلاة العيد ويكبرون أيضاً بتكبير الإمام أثناء خطبة العيد.
ومن صيغ التكبير: اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
ويتأكد التكبير جهراً من حين الخروج من البيت لصلاة العيد ويكبر في المصلى حتى دخول الإمام ، ثم يكبر إذا كبر الإمام في الخطبة وينصت فيما سوى ذلك.
وتُصلى تحيةُ المسجد إذا كانت الصلاة في الجوامع.
وصلاة العيد ركعتان يكبر في الأولى ستاً بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمساً بعد تكبيرة القيام . فإذا فاتت المصلي ركعة فيقضيها على صفتها وعلى هذا فيكبر في الركعة الثانية التي يقضيها خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام، ولو قضاها من غير هذه التكبيرات صحت.
وإذا دخل مع الإمام في أثناء التكبيرات الزوائد فيكبر للإحرام أولاً ثم يتابع الإمام فيما بقي ويسقط عنه مامضى.
وإن أدرك الإمام وهو يقرأ أو راكعا فيكبر تكبيرة الإحرام ، ويدخل معه في صلاته ولايكبر التكبيرات الزوائد.
وإذا وجد الإمام قد سلم من صلاة العيد فيستحب له أن يستمع لخطبة العيد ويؤمن على الدعاء.
وإذا بدأ الإمام في القراءة ونسي التكبيرات الزوائد سقطت لأنها سنة فات محلها.
وَصَلاةِ الْعِيدِ: وَاجِبَةٌ وُجُوبَاً عَيْنِيَّاً عَلَى الرِّجَالِ، وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيّضَ فِي الْعِيدَيْنِ، يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيّضُ اَلْمُصَلَّى" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ ابْنُ بَازٍ وَابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُمَا اللهُ- بِوُجُوبِهَا عَلَى الرِّجَالِ، وَعَلَى هَذَا فَلْيَحْذَرْ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ صَلاةِ الْعِيدِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ النِّسَاءُ، بَلْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ البنات الصغار، بَلْ وَالْحُيّضُ، مَأْمُورَاتٍ بِالْخُرُوجِ! فَكَيْفَ بِالرِّجَالِ الأَشِدِّاءِ؟! فَلا يَحِلُّ لَهُمُ التَّخَلُّفُ عَنْهَا إِلَّا لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ.
والسنة أن يأكل قبل الخروج إلى المصلى تمراتٍ وتْرًا، ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر إن أحب ويقطعهن على وتر؛ لفعل النبي ﷺ.
واخرجوا إلى هذه الصلاة مشيًا إلا من عذرٍ كعجز أو بُعد؛ لقول علي رضي الله عنه: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيًا.
اخرجوا إلى صلاة العيد متنظفين متطيبين، والبسوا أحسن الثياب، وأخرجوا لها نساءكم وأطفالكم ومَن تحت أيديكم.
وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ غَيْرَ مُتَطَيِّبَةٍ وَلَا مُتَزَيِّنَةٍ، وَعَلَى وَلِيِّ أَمْرِهَا مَسْؤُولِيّةٌ فِي ذَلِكَ.
وأدوها بخشوع وحضور قلب، وتذكروا بجمعكم اجتماع الناس في يوم الجمع الأكبر: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
والتجمل للعيد عبادة فلا يتجمل بفعل الحرام كحلق اللحية أو لبس الطويل أو لبس القصير للبنات .
اخرجوا إلى صلاة العيد أيها الإخوة: امتثالاً وطاعة لأمر رسول الله ﷺ وابتغاء الخير، ودعوة المسلمين، فكم في ذلك المصلى من خيرات تنزل، وجوائز من الرب الكريم تحصل، ودعوات طيبات تقبل.
بلَّغَنا الله يوم العيد من عمر مديد بطاعة الله، ومنَّ علينا بالقبول، إنه جواد كريم.
ونسأل الله أن يختم لنا ولكم بعمل صالح وأن يتقبل صيامنا وقيامنا ويتجاوز عن تقصيرنا وزللنا ،
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وتجاوز عن تقصيرنا و زللنا، اللهم بلغنا ختام الشهر وأعده علينا بخير في ديننا ودنيانا يارب العالمين اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا يارب العالمين
اللهم أنصر إخواننا المستضعفين في فلسطين اللهم عليك باليهود الظالمين المعتدين
اللهم أنصر إخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وجميع بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا واستعمل علينا خيارنا
واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ