الخميس، 25 يونيو 2020

خطبة الأشهر الحرم وإجراءات الحج

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: شَهْرُنَا هَذَا أَحَدُ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ، وَالَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَولِهِ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
وَجَاءَ بَيَانُ هَذِهِ الأشْهُرِ الأَرْبَعَةِ الحُرُمِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ قَالَ: (السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ…) الخ وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الأشْهُرُ الحُرُمُ عَظِيْمَةُ القَدْرِ؛ وَمِنْ تَوفِيقِ اللهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ أَنْ يُعَظِّمَ مَا عَظَّمَهُ الشَّرْعُ.
لأن تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ اللهِ، وَتَعْظِيمُ شَعَائِرِه، مِنْ عَلَامَاتِ تَقْوَى القُلُوبِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
وَمِنْ تَعْظِيْمِ حُرُمَاتِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا: الكَفُّ عَنِ المَعَاصِي فِي هَذِهِ الأشْهُرِ وَفِي غَيْرِهَا، الكَفُّ عَنِ الظُّلْمِ بِأَنْوَاعِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} قَالَ ابنُ زَيدٍ: الظُّلْمُ: العَمَلُ بِمَعَاصِي اللهِ، وَالتَّرْكُ لِطَاعَتِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) قَالَ: فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى صَفَايا مِنْ خَلْقِهِ؛ اصْطَفَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا، وَمِنَ النَّاسِ رُسُلًا، وَاصْطَفَى مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرَهُ، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَرْضِ الْمَسَاجِدَ، وَاصْطَفَى مِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَالْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ؛ فَإِنَّمَا تعظيم الْأُمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَأَهْلِ الْعَقْلِ.
فَاتَّقُوا اللهَ – رَحِمَكُمُ اللهُ – وَالْتَزِمُوا شَرْعَهُ جَلَّ وَعَلَا؛ عَظِّمُوا شَعَائِرَهُ، عَظِّمُوا أَوَامِرَهُ فَامْتَثِلُوهَا، وَنَوَاهِيَهُ فَاجْتَنِبُوهَا، وَحُدُودَهُ فَلَا تَقْرَبُوهَا.

الخطبة الثانية 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عبادَ الله: نظرًا لما تمرُّ به بلاد العالم، من انتشار هذا الوباء، الذي أصاب الملايين من الناس، وأهلك مئات الألوف، ولا يزال خطره باقيًا، فقد رأى ولاة الأمر وفقهم الله وسددهم أن تقام شعيرة الحج هذا العام بأعدادٍ محدودة، وهذا القرار جاء على وفق أحكام الشريعة وقواعدها العامة. 
فقد قرَّر الفقهاء أنَّ إقامةَ الحج كل عام فرضُ كفاية على عموم المسلمين، حتى لا يتعطَّل البيتُ الحرام عن إقامة هذه الشعيرة، ويحصلُ فرض الكفاية بحج طائفة من المسلمين، وإنْ قلَّ عددهم. 
كما جاءت النصوص الشرعيَّة بالأمر بحفظ النفوس المعصومة، ودفع الأذى عنها، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: (لا ضرر ولا ضرار).
وجاءت الشريعة باتخاذ أسباب الوقاية من الأوبئة المعدية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي ﷺ قال: (لا يُورِدُ مُمْرِضٌ على مُصِح).
فبهذا القرار يتحقَّق بحمد الله تعالى وتوفيقه تحقيقُ مقاصد الشريعة، والقيام بفرض الكفاية بإقامة شعيرة الحج، مع حفظ النفوس، وحمايتها، والنُّصح للرعيَّة، ودفع الضرر عن البلاد والعباد.
فَنَسأَلُ اللهَ أَن يَحفَظَ بِلادَنَا وَبِلادَ المُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكرُوهٍ ، وَأَن يُسبِغَ عَلَينَا جَمِيعًا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ، وَأَن يَكشِفَ الغُمَّةَ عَن هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَأَن يَحفَظَ عَلَينَا أَمنَنَا وَإِيمَانَنَا وَاستِقرَارَنَا ، وَصِحَّتَنَا وَعَافِيَتَنَا ، وَأَن يَكفِيَنَا شَرَّ الأَشرَارِ وَكَيدَ الفُجَّارِ وَطَوَارِقَ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ .
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلَ مِنَّا صَالِحَ أعْمَالِنَا، وَاغْفِرَ لَنَا سَائِرَ ذُنُوبَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ. 
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

الخميس، 18 يونيو 2020

خطبة الخوف من الله

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَمَّا بعد: فاتقوا اللهَ واحذروا عقابَه وشديدَ عذابِه وسخطَه، فالله سبحانه وتعالى شديدُ العذابِ شديدُ العقابِ ذو الطَّوْلِ لا إله إلا هو إليه المصيرُ، كما قال اللهُ جل ذكره: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ
وقد حذَّركم اللهُ نفسَه في كتابِه، فقال: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾، "أي: يخوِّفُكم اللهُ من نفسِه أن تركَبُوا معاصيَه أو توالوا أعداءَه، فإن إليه مرجعَكم ومصيرَكم بعد مماتِكم، فإن خالفتُم أمرَه نالكم من عقابِ اللهِ ما لا قِبَلَ لكم به، فاتقوه واحذروه أن ينالَكم ذلك منه، فإنه شديد العقاب" الطبري.
أيها المؤمنون: إن الخوف من الله تعالى من تمام الإيمان به لذلك أمر الله تعالى به عباده، فقال جل ذكره: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ وقال سبحانه: ﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾، 
بل قد جعلَ سبحانه وتعالى خوفَه شرطاً لصحةِ الإيمانِ، فقال سبحانه عز وجل: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
الخوف من الله -أيها الإخوة المسلمون- لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب، كاستشعار الخوف من المرض أو الغرق، إنما يراد بالخوف؛ الكف عن المعاصي وتحري الطاعات؛ ولهذا قيل: لا يُعَدُّ خائفاً من لم يكن للذنوب تاركاً، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الْخَائِف: مَنْ رَكِبَ طَاعَة اللَّه، وَتَرَكَ مَعْصِيَته".
نعم أيها الإخوة المسلمون؛ إن الذي يخاف من الله، لا يعصيه، فإذا ارتكب معصية بحكم ضعفه البشري أو وقعت منه كبوة أو هفوة قاده خوفه من الله إلى الندم، قاده إلى الاستغفار والتوبة، فيظل في دائرة الطاعة والخشوع.
قال الله تعالى ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ أي: وللذي خاف ربه، فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمره به، له جنتان عظيمتان، إحدى الجنتين جزاء على ترك المحرمات، والأخرى على فعل الطاعات.
عباد الله: إن الخائفين من ربهم -عز وجل- هم الذين عبروا إلى ضفة النعيم والتكريم بعد أن كفوا أنفسهم عن الهوى، وضبطوها بالصبر على إيثار الخيرات، ولم يغتروا بزخارف الدنيا، لهم ما وعدهم ربهم بقوله: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
إن الله -سبحانه وتعالى- ينفي عنهم أهوال القيامة وخوفها، (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، لا خوف عليهم من الضلالة في الدنيا، ولا حزن من الشقاوة في الآخرة؛ لأنهم ساروا في دنياهم على الصراط المستقيم، فأخبرهم ربهم بالأمن والأمان في يوم الخوف الرهيب.
قال ﷺ: قال الله تعالى: (وَعِزَّتِي لاَ أَجمَعُ على عَبْدِي خَوفَين وأَمْنَيْن إذَا خَافَنِي في الدُّنيَا أَمَّنْتُهُ يَومَ القِيَامَة، وإذَا أَمِنَنِي في الدُّنيَا أَخَفْتُهُ يومَ القِيَامَة)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا.
الخطبة الثانية 
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق تقواه، واخشوه وأطيعوه، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.
عبادَ اللهِ: إِنَّ على المُؤمنِ أَنْ يُواصِلَ استِشعارَ الخَوفِ مِنَ اللهِ -تعالى-، فَإِنَّهُ بِخَوفِهِ يَستَحضِرُ جُملَةً مِنَ المَعاني، فَهُوَ يَخافُ المَوتَ قَبلَ أَن يُوَفَّقَ إِلى تَوبَةٍ نَصوحٍ، وَعَمَلٍ صالِحٍ مَقبولٍ يَلقى بِهِ رَبَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَيَخافُ إِذا تابَ مِن نَقضِ التَّوبَةِ بَعدَ التَّوفيقِ إِلَيها، وَيَخافُ مِن عَدَمِ الوَفاءِ بِحُقوقِ اللهِ تعالى، يَخافُ عَلى قَلبِهِ أَن تَزولَ رِقَّتُهُ وَتَتَبَدَّلَ قَسوَةً وَغِلظَةً، يَخافُ الانحِرافَ عَنِ الجادَّةِ وَالبُعدَ عَنِ الطَّريقِ المُستَقيمِ، يَخافُ يَومَ تُفتَحُ عَلَيهِ الدُّنيا مِنِ الاغتِرارِ بها، يَخافُ مِن سُوءِ الخاتِمَةِ عِندَ المَوتِ، يَخافُ أَن يُحالَ بَينَهُ وَبَينَ جَنَّةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَيَكونَ مِن أَهلِ النَّارِ.
أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإيمان الصادق، والعمل الصالح، وأن يُبلِّغَنا الدرجاتِ العُلاَ من الجنة.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
عباد الله: إن من أفضَلِ أعمَالِكُم وأزكَاهَا، صلاتُكُم على نبيِّ الرحمةِ ورسولِ الهدى، طاعةً لله جلَّ وعلا، حيث قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمَتِكَ، وَتَحوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ.
اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
اللهم اغفر لوالدينا و للمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وجميع بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم انصر جنودنا واحفظ بلادنا يارب العالمين.


الخميس، 11 يونيو 2020

خطبة: التوكل على الله والأخذ بالأسباب

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وهو الرحيم الغفور، أحمده تعالى وأشكره حمدا وشكرا كما يحب ويرضى، وأحمده وأشكره حمدا وشكرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأحمده وأشكره حمدا وشكرا عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا اللهَ أيها المسلمون، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
عباد الله: قال الله تعالى: ﴿قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَولانا وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ
وقال رسول الله ﷺ: (واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ، وما أصابَكَ لم يَكُن، ليُخطِئَكَ).
فكل شيء في الكون يجري بقدر الله، فإن الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله، كما قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾، فالواجب على المؤمن أن يعتمد على ربه رب السماوات والأرض ويحسن الظن به. 
فالواجب على المؤمن أن يعلق قلبه على الله عز وجل، وأن يصدق بالإعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار.
ولكن يفعل الأسباب الشرعية والحسية، لأن أخذ الأسباب الجالبة للخير المانعة من الشر من الإيمان بالله تعالى وحكمته، ولا تنافي التوكل، فها هو سيد المتوكلين محمد ﷺ كان يتخذ الأسباب الشرعية والحسية فكان يعوذ نفسه عند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحروب، وحفر الخندق حول المدينة حماية لها.
وعلى هذا فإن أهل البلاد التي ينتشر فيها الوباء، يجب عليهم الأخذ بالأسباب التي تحول دون انتشاره بينهم، كلبس الكمام، وترك مسافة آمنة بينك وبين الآخرين، وتجنب التجمعات، وغسل اليدين بشكل دائم، لأن هذه من الأسباب الواقية من الشر، وإهمالك لها قد يكون سببا في إصابة ومعاناة من تخالطهم، خاصة أنكم تشاهدون أرقام الإصابات في ازدياد والوباء في إنتشار.
فينبغي أن يسعى المسلم لتقوية جانب التوكل على الله سبحانه، يفعل الأسباب على أنها مجرد أسباب، لكن يتعلق قلبه بمسبب الأسباب وهو الله عز وجل.
فإن التوكل على الله عبادة الصادقين، وسبيل المخلصين، أمر الله تعالى به أنبياءه المرسلين، وأولياءه المؤمنين، قال رب العالمين: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِير
وقال: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ 
وأمر به المؤمنين: فقد قال الله تعالى في سبعة مواضع من القرآن: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
فاللهم ارزقنا التوكل عليك، وحسن الاعتماد عليك، اللهم ارزقنا الثقة فيك، وحسن الظن بك، واليقين فيما عندك، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعلنا ممن توكل عليك فكفيته، واستعان بك فأعنته، واستهداك فهديته، ودعاك فأجبته، وسألك فمنحته وأعطيته، يا رب العالمين.
-------------------

الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعدُ، فاعلموا أنه من الاعتقادات الباطلة من يعتقد أن العدوى تنتقل بنفسها فهذا اعتقاد باطل يعتقده الكفار، وهو كون المرض ينتقل بنفسه، ويعدي بطبعه من دون قدر الله ولا مشيئته، هذا باطل، قال ﷺ: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ)، والمعنى إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية، من أن الأشياء تعدي بطبعها، فأخبرهم ﷺ أن هذا الشيء باطل، وأن المتصرف في الكون هو الله وحده.
أما كون المرض قد ينتقل من المريض إلى الصحيح بإذن الله فهذا قد يقع، ولهذا قال ﷺ: (فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ) يعني: لا تجالسه ولا تقترب منه؛ قد ينتقل مرضه إليك.
ومن ظهرت عليه علامات المرض أو خالط مريضاً وجب عليه أن يعتزل الناس ويحرم عليه مخالطتهم، قال ﷺ: (لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ).
فينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
اللهم احفظنا من الوباء والبلاء، وحقق لنا ولإخواننا قوة الإيمان به والتوكل عليه والأخذ بالأسباب التي أذن بها على الوجه الذي يرضى به عنا إنه جواد كريم.
هذا، واعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفْسِه، فقال جلَّ مِن قائلٍ عليمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم احفظنا وإخواننا المسلمين من كل شر، اللهم اصرف عن المسلمين شر هذا المرضِ، وسائرَ الشرور.
اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمَتِكَ، وَتَحوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ.
اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
اللهم اغفر لوالدينا و للمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وجميع بلاد المسلمين
اللَّهُمَّ وَفِّق وَليَّ أَمرِنَا لِهُدَاك، واجعَل عَمَلَهُ فِي رِضَاك، وَهيِّئ لَهُ البِطَانةَ الصَالِحةَ، اللَّهُمَّ وَفِّقُه وَوليَّ عَهدِه لِمَا فِيهِ خير البلاد والعباد، واسلُك بِهم سَبِيلَ الرَّشاد، وارزُقهُما الرَأيَ السَّدِيد، والعَمَلَ الرَّشِيد يَا سَمِيع الدُّعَاء.
اللهم انصر جنودنا واحفظ بلادنا يارب العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

..