الخميس، 20 يونيو 2019

خطبة: أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، أَمَرَنَا بِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). أَيْ: خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الدُّنْيَا وَزَيَّنَهَا، وَأَبْدَعَهَا وَأَتْقَنَهَا؛ لِيَخْتَبِرَكُمْ، فَيَنْظُرَ أَيُّكُمْ لَهُ أَطْوَعُ، وَإِلَى طَلَبِ رِضَاهُ أَسْرَعُ.
وَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْإِنْسَانَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ لِيُقَدِّمَ الْأَحْسَنَ، فَخَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَأَتَمِّ هَيْئَةٍ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ أَحْسَنَ الْكُتُبِ وَأَحْكَمَهَا، وَأَبْلَغَهَا وَأَعْدَلَهَا، قَالَ تَعَالَى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ). وَأَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، وَأَكْثَرَهَا عِبْرَةً، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ). لِيَتَفَكَّرَ الْإِنْسَانُ وَيَتَّبِعَ أَحْسَنَ الطُّرُقِ لِمَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَعْمَلَ بِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ جَمِيلِ الْخِصَالِ، وَحَمِيدِ الْأَفْعَالِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ). وَمَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِبَادَهُ (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ). فَإِنَّهُمْ ذَوُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ، وَالْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ وَأَقْوَالَ الرَّسُولِ ﷺ فَيَعْمَلُونَ بِهِمَا.
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا، وَأَرْفَعِهَا وَأَسْمَاهَا؛ ذِكْرُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ). وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ.
وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا). وَوَعَدَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى وَالِدَيْهِ أَنْ يَتَقَبَّلَ أَعْمَالَهُ، وَيُكَافِئَهُ بِأَحْسَنِ الثَّوَابِ، فَقَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ حَثَّنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنْ نَخْتَارَ الْأَحْسَنَ مِنَ الْأَقْوَالِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). فَذَلِكَ أَدْعَى لِتَحْقِيقِ الْمَحَبَّةِ وَتَعْزِيزِ الْمَوَدَّةِ، قَالَ تَعَالَى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). فَإِنَّ التَّعَامُلَ مَعَ الْآخَرِينَ بِخُلُقٍ جَمِيلٍ، والْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ؛ يُؤَلِّفُ قُلُوبَهُمْ، وَيَجْلِبُ مَحَبَّتَهُمْ.
وَمِنْ أَحْسَنِ الْأَقْوَالِ الَّتِي تُقَوِّي أَوَاصِرَ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ؛ رَدُّ التَّحِيَّةِ بِأَفْضَلَ مِنْهَا، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا). أَيْ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ، فَرُدُّوا عَلَيْهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا سَلَّمَ، أَوْ بِمِثْلِ مَا سَلَّمَ بِهِ. وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ التَّوَاصُلِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ التَّعَامُلَ مَعَ الْآخَرِينَ بِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ هُوَ أَحَبُّ الْأَشْيَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا. وَكَانَ ﷺ يَحْرِصُ عَلَى التَّعَامُلِ بِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَأَرْفَعِهَا، وَيَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَائِلًا: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ». وَرَغَّبَنَا ﷺ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا». فَكَانَ ﷺ يُعَامِلُ النَّاسَ بِلِينٍ، فَيَتَجَاوَزُ عَنْ هَفَوَاتِهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمْ بِرِفْقٍ، وَيُحْسِنُ أَدَاءَ حُقُوقِهِمْ، وَيَزِيدُهُمْ عَلَيْهَا؛ تَقْدِيرًا لِفَضْلِهِمْ، وَتَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ، وَيَقُولُ: «إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً». فَاللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَأَجْمَلِ الْأَخْلَاقِ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ ﷺ وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ ﷺ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد: فأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). أَيْ: مَنِ اتَّصَفَ بِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ، وَأَفْضَلِ الْأَخْلَاقِ وَالْمُعَامَلَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ يُنْعِمُ عَلَيْهِ بِحَيَاةٍ هَانِئَةٍ طَيِّبَةٍ فِي الدُّنْيَا، وَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَعِيدًا بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ ثَوَابٍ عَظِيمٍ، وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، قَالَ تَعَالَى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). فَلْنَحْرِصْ عَلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَبِرٍّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَإِحْسَانٍ إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا، وَأَفْضَلِ الْأَقْوَالِ مِنْ ذِكْرٍ وَكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَأَرْفَعِ الْأَخْلَاقِ، فَبِهَا يَرْتَقِي الْإِنْسَانُ، وَتَرْتَفِعُ دَرَجَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ النَّاسِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَشَرِ، وَأَطِيعُوا رَبَّكُمْ فِيمَا أَمَرَ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو، وَإِيَّاكَ نَدْعُو، فَأَدِمْ عَلَيْنَا فَضْلَكَ، وَأَسْبِغْ عَلَيْنَا نِعَمَكَ، وَتَقَبَّلْ صَلَوَاتِنَا، وَضَاعِفْ حَسَنَاتِنَا، وَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِنَا، وَارْفَعْ دَرَجَاتِنَا، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَ وَفِّقْ وليَّ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ وجميع ولاة أمور المسلمين.
اللَّهُمَّ ارْحَمِ امواتنا، وَأَدْخِلْهُمْ بِفَضْلِكَ فَسِيحَ جَنَّاتِكَ. وَارْحَمِ اللَّهُمَّ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللَّهُمَّ أَدِمْ عَلَى بلادنا الْأَمَانَ وَالِاسْتِقْرَارَ، وَالرَّخَاءَ وَالِازْدِهَارَ، وَزِدْهَا تَقَدُّمًا وَرِفْعَةً، وَتَسَامُحًا وَمَحَبَّةً، وَأَدِمْ عَلَى أَهْلِهَا السَّعَادَةَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وعلى جميع المسلمين.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وَقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْأَبْرَارَ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ مَعَ الْأَخْيَارِ، وَاجْزِ أَهْلِيهِمْ جَزَاءَ الصَّابِرِينَ؛ بِكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ؛ الَّذِينَ تَحَالَفُوا عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَاجْمَعْ أَهْلَ الْيَمَنِ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ، وَأَدِمْ عَلَيْهِمُ الِاسْتِقْرَارَ، وَعَلَى بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَالَمِ أَجْمَعِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَأَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ مَعَ الْأَبْرَارِ، يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ.
عِبَادَ اللَّهِ: اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.







الخميس، 13 يونيو 2019

خطية: مسائل صيام الست من شوال

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضللِ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جلَّ وعلا، فهي النجاة غداً والمنجاة أبداً، ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. واشكروا نعمة الله عليكم بإتمام رمضانَ صيامًا وقيامًا، واسألوا الله تعالى أن يتقبّل ذلك منكم؛ فإن المهم هو القبول.
عباد الله: إن عمل المؤمن لا يتوقف بانتهاء مواسم العمل، إن عمل المؤمن عملٌ دائم لا ينتهي إلا بالموت، واتْلوا قول ربكم تبارك وتعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، وقال الله سبحانه: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
فلئن انتهى شهر رمضان وهو موسم عمل؛ فإن زمن العمل لم ينتهي، ولئن انتهى صيام رمضان؛ فإن الصيام لا يزال مشروعًا ولله الحمد، فقد سَنَّ رسول الله ﷺ صيام ستة أيام من شهر شوال، حيث قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»
صيام ست من شوال سُنة وليست فريضة ولا حرج في صيامها متتابعة أو متفرقة والمبادرة بها أفضل، ولا تجب المداومة عليها ولكن ذلك أفضل. الفتاوى(15- 389).
ويجوز أن يبدأ بصيام الست من يوم الجمعة أو يوم السبت، ولا كراهة في ذلك؛ لأن الصائم لا يقصد تخصيص يوم الجمعة أو يوم السبت بصيام.
ويجوز صيام يوم السبت منفردا في شوال وغيره، ومن أفرد الجمعة بصيام من أيام الست لأنه لا يتفرغ إلا فيه جاز له ذلك.
و‏صيام ست من شوال يكون بعد قضاء صوم رمضان.؛ ولأن الفرض مقدم على النافلة.
ولو لم يتمكن الإنسان من صيام الأيام الستة في شوال "لعذر" كمرض أو قضاء رمضان كاملاً حتى خرج شوال ، فهل يقضيها ويكتب له أجرها أو يقال هي سنة فات محلها فلا تقضى ؟
الجواب : يقضيها ويكتب له أجرها ، كالفرض إذا أخره عن وقته " لعذر" وكالراتبة إذا أخرها "لعذر" حتى خرج وقتها فإنه يقضيها كما جاءت به السنة .
ابن عثيمين في الشرح الممتع / ج6 / ص 466 - 467
ويجوز الجمع بين صيام الست من شوال وصيام الأيام البيض (13-14-15)، أو صيام الإثنين والخميس بنية واحدة.
ولا يجوز الجمع بين قضاء رمضان والست من شوال، ولابد من تبييت النية من الليل لصيام ست شوال.
اللهم وفّقْنا للمسارعةِ في مرضاتك، ولا تَحْرِمْنا مِنْ واسِعِ رحمتِك، وعظيمِ هِباتِكَ، يا سميع الدعاء!
الخطبة الثانية
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها الناس، إن المعاصي بعد الطاعات ربما تُحيط بثوابها فلا يكون للعامل سوى التعب، قال بعضهم: «ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمَن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة كان ذلك علامةً على قبول الحسنة الأولى، كما أن مَن عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كانَ ذلك علامةً على ردّ الحسنة وعدم قبولها» .
فاتّقوا الله عباد الله واستغلوا أعماركم بأعمالكم،
وحقِّقوا أقوالكم بأفعالكم؛ فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله، وسيأتي اليوم الذي يتمنى الواحدُ منَّا زيادة ركعة أو تسبيحة في حسناته، يقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
فاغتنموا اعماركم بالصيام والقيام وقراءة القرآن.
اللهم وفّقنا جميعًا لاغتنام الأوقات وعمارتها بالأعمال الصالحات، وارزقنا اجتناب الخطايا والسيئات، وطهّرنا من هذه الموبقات؛ إنك قريب مجيبُ الدعوات .
عباد الله: أكثروا من الصلاة على نبيكم ﷺ فقد قال الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ونبيّك محمد، اللهم ارزقنا محبتَه واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم اجمعنا به في جنّات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين،
وارض اللهم عنّا وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين.
اللهم أنصر الإسلام والمسلمين ووحد صفوفهم وكلمتهم على الحق يارب العالمين.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
﴿رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
واذكروا الله العظيم الجليلَ يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ


خطبة: الاعتبار بشدة حر النهار

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
أما بعد: فإن من صفات أصحاب القلوب الحية التفكرَ في خلق الله بمايزيد الإيمان به تعالى وبجزائه وثوابه، وقد امتدحهم الله بذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
وإن من التفكر التفكر فيما في الدنيا مما يذكر بعذاب الآخرة وآلامها، لينظر العبد في ذلك نظر اعتبار واتعاض
فيكون ذلك سببًا في اجتنابه المعاصي وقيامه بالطاعات.
وقد جعل الله تعاقب الليل النهار في الدنيا عبرة للمعتبرين يقول تعالى ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ﴾ .
﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، من ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل،
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ﴾ يعني: لذوي البصائر، والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها، كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية.
فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم! وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا
فجعل الله الليل والنهار يخلف أحدهما الآخر ليتذكر بذلك العباد ويشكروه تعالى .
وإن مما يدعو للاعتبار والتفكر في آيات الله: ما نعيشه هذه الأيام من شدة حرارة الجو، فإن لله في ذلك حكماً وعبرا.
فمن حكم شدة الحر: بيان ضعف هذا الإنسان المخلوق الذي ربما تكبَّر واحتقر غيره، ونسي ضعفه وشدة حاجته إلى الله عز وجل، قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
فالواحد منَّا قد لا يستطيع أن يقف الدقائق المعدودة عندما ترتفع الشمس ويشتد الحر
وبعض الناس ربما تغيرت أحوالهم، وساءت أخلاقهم بسبب حرارة الجو.
بل وصلت الحال أن يموت أقوام في بعض البلاد بسبب شدة الحر.
كما يحدث هذه الأيام في مصر وقبلها في الهند وباكستان وغيرها، وهذا مما يبين ضعف الإنسان، وعجزه.
قال تعالى: ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا
ومن العِبر في شدة الحر أن يتذكر الإنسان وهو يتصبب عرقاً من الحر قول النبي ﷺ (تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ ميل، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا). وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. رواه مسلم.
والناس تحت الشمس حفاة عراة غرلا، قال ﷺ: (إِنَّكُمْ مُلاَقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرْلً). متفق عليه.
سيقف الناس تحت هذه الشمس التي قد دنت من رؤوسهم، كرب عظيم وزحام شديد في موقف الحشر الأعظم، ويقفون وقوفاً طويلاً ليس يوماً ولايومين ولاسنة ولاسنتين، بل سيقفون في يوم مقداره خمسون ألف سنة.
ولئن اجتهدنا في اتقاء هذا الحر الدنيوي أو تخفيفه فعلينا ان نجتهد في اتقاء حر النار يوم القيامة ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا
وهذا السموم هو من نفس جهنم قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا
فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِي الْحَرِّ – من سموم جهنم- وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ البرد من زمهرير جهنم). رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال (إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) وهذا يدل على أن جهنم موجودة الآن، وهي تنتظر سكانها، نسأل الله العافية.
ولقد جعل الله نار الدنيا مذكرة بنار الآخرة، قال تعالى: ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً
ونار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة، قال النبي ﷺ: (نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ)، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:(فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا). رواه البخاري ومسلم.
عباد الله إن مما ينبغي تدبره من كتاب الله في هذا المقام أن الله شبّه الكفر بالحر والإيمان بالظل، فقال سبحانه: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ
فحال المؤمن يُشبه حال الظل؛ لأن الإيمان ظل ظليل، ترتاح له النفس، ويطمئن له القلب، ويعمل فيه العبد على نور من ربه وبصيرة، أما حال الكافر فتشبه حال الحر، الذي تضطرب فيه القلوب، ويزداد قلقها.
نعوذ بالله من النار
---------------------------
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
عباد الله، إن الناس كلَّهم حريصون على راحة أنفسهم وأهليهم، يوفرون لهم الوسائلَ الواقية من الحر والبرد، وإذا ما اشتدت عليهم سمومُ الحر رأيناهم يتنقلون إلى المصائف والأماكن الباردة في أنحاء العالم.
ولكنك تحزن وتأسى لحالهم عندما ترى كثيراً منهم لا يعمل على وقاية نفسه ومن تحت يده من نار الآخرة وسمومها، والله عز وجل قد خاطب عباده المؤمنين وحذرهم منها بقوله: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
ومن دعاء عباد الرحمن في القرآن ﴿رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا
وإذا كان هذا الحر الشديد إنما هو نَفَسٌ أُذن فيه لجهنم أن تتنفس، فكيف بجهنم نفسَها وقد ذكر الله عنها ما ذكر كقوله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ وقوله تعالى: ﴿إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ
أيها المؤمنون، إن من رحمة الله أن جعل أسبابًا للوقاية من حر الشمس عندما تدنو من الرؤوس يوم القيامة.
ومن ذلك ماتضمنه حديث النبي ﷺ عن السبعة الذي يظلهم الله تعالى في ظله يوم القيامة، قال النبي ﷺ (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌفي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)
فمن توفرت فيه صفة من صفات هؤلاء السبعة فيرجى له النجاة من ذلك الكرب العظيم.
وفي الحديث السابق أن الصدقة سبب لكون العبد في ظل الله يوم القيامة وقد جاء في ذلك حديث خاص بها قال ﷺ: (كُلُّ امرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُفْصَلَ بينَ الناسِ، أو قال حتى يُحْكمَ بينَ الناسِ) . رواه أحمد.
وإن مما يحسن التذكير به - وهو من أعظم الصدقات - الصدقةَ بالماء خاصة في أيام الحر الشديد، فسقيا الماء سبب لمغفرة كبائر الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال (بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه. قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ)
فهذا رجل غفر الله له بسبب سقيه لكلب فكيف بمن يسقي مسلمًا.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: (بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ (بئر) قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ).
فتأملوا يا عباد امرأة بغي: (أي زانية) غفر لها بسقي كلب.
فرحم الله عبدا جعل برادة ماء في المساجد أو عند بيته أو وتصدق بالماء على المحتاجين والمصلين ليستقي منها الناس وله الأجر العظيم عند الله إذا حسنت نيته.
اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والبر والتقوى واغفر لنا ذنوبنا ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم، كما أمركم الله بذلك ربكم، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اَللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْناكَ فَٱسْتَجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فَٱغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنا ذُنوبَنَا وَإِسْرافَنا في أَمْرِنا.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل
ونعوذ بك من النار وماقرب إليها من قول او عمل
اللهم ادفع عنا الغلاءَ والوباءَ، والربا والزنا، والزلازلَ والمحنَ، وسوءَ الفتن، ما ظهرَ منها وما بطنَ.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين،
اللهم انصر اخواننا المستضعفين.اللهم وحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
عباد الله! ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ






من خطب الشيخ عبدالله بن رجا الروقي
http://arjalotaibi.blogspot.com/p/blog-page_32.html


خطبة جمعة: الطمع

أما بعد فـ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
اتقوا الله عز وجل، وتفكروا في هذه النعم التي أمدكم الله بها ومن أهمها وأكبرها نعمة الإسلام، والأمن، والاستقرار والصحة والعافية في الأبدان ونعم رغد العيش، ونعمٌ كثيرةٌ، وصدق الله حيث يقول: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا
عباد الله: إن المتأمل لأحوال كثيرٍ من الناس في هذه الدنيا يرى العجب العجاب، يرى الهموم، يرى الغموم، يرى الأحزان، يرى المشاكل، تجد الواحد منهم مستعدًا أن يقاتل حتى أقرب الناس إليه من أجل ماذا؟ من أجل هذه الدنيا، من أجل الأموال، ومن أجل التجارات، ومن أجل الأراضي.
إن المتأمل لأحوال كثيرٍ من الناس لا يراهم يعيشون في هذه الدنيا راضين بقضاء الله وقدره، بل يزدادون تسخطًا على قضاء الله وقدره، لايكفيهم طعامهم ولايرضيهم لباسهم ولاتسعهم مساكنهم، بل هم دائمًا في سخطٍ على الله عزَّ وجل، يصبح أحدهم ويمسي ساخطًا على ربه، لا يقنع بقليلٍ ولا بكثير؛ كالذي يأكل ولا يشبع، لِمَ؟ لأنه طامحٌ ببصره دائمًا إلى من هو فوقه، إذا كان يسكن بيتًا نظر إلى من يسكن قصرًا،
إذا كان يركب سياره نظر إلى من يركب طائرة ،
إذا كان راتبه 10 آلاف ينظر إلى من ياخذ 20،
وهكذا لا يهنأ له عيش؟
إذن ما الحل؟ الحلّ هو ما علمنا وأمرنا به رسول الله ﷺ من القناعة، وعلّمنا إياها قولاً وفعلاً.
القناعة أن ترضى بما قسم الله لك من العيش، فتكون واثقاً ، مطمئن القلب، ساكن الفؤاد، رضيَّ النفس،
تعلم أن الأرزاق مكتوبةٌ مقسومةٌ، لا تزيد ولا تنقص،
وأعلم ـ يا عبد الله ـ أن الله يأمر بالقناعة، يأمرك ـ أيها المسلم ـ أن تكون قنوعًا: ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ
أن يقرأ المسلم في القرآن أن الله سبحانه وتعالى مدح أهل القناعة: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ هؤلاء هم أهل القناعة.
ويقول الله عزَّ وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
أتدرون ما الحياة الطيبة؟
قال عبد الله بن عباس وعلي بن أبي طالب والحسن البصري رضي الله عنهم: (الحياة الطيبة هي القناعة)؛
أن تقنع بما رزقك الله من مال، أن تقنع بما رزقك الله من زوجة، أن تقنع بما رزقك الله من ذرِّيَّة، ان تقنع بما آتاك الله سبحانه وتعالى من مسكنٍ أو مركبٍ أو ملبسٍ أو مطعم، هذه هي القناعة التي يأمرنا بها ديننا.
نعم القنوع عزيز، القنوع هو أعزُّ الناس عند الناس؛ ولهذا قال ﷺ: (شرف المؤمن قيامه بالليل وعِزُّه استغناؤه عن الناس)
هذا المستغني عن الناس الذي لا يمدُّ يده، ولا يطمع فيما عند الناس ، هذا هو العزيز حقًا، هذا الذي رضي بما آتاه الله.
رسول الله ﷺ كان أعظم الناس قناعةً في هذه الدنيا، كان دعاؤه ﷺ: (اللَّهُمَ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ)؛
ولهذا كان أوسع الناس صدرًا، وأطيب الناس عيشًا، وأسخى الناس يدًا، وأرضَى الناس قلبًا، كان يمرُّ عليه الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيت أزواجه نار، وما لهم من طعامٍ إلا الأسودان: التمر والماء، كان يبيت الليالي طاويًا، لا يجد عشاءً، يتقلّب على فراشه من شدة الجوع، كانت حياته حياة الزهد،
زهدٌ في طعامه، زهدٌ في ثيابه، زهدٌ في فراشه،
ينام على حصيرٍ قد أثَّر على ظهره وعلى جنبه من خشونته ومن شدة ملمسه، كانت الدنيا لا تساوي عنده شيئًا، ما كان يعجبه من الدنيا إلا مؤمنٌ تقيّ، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، بل وربَّى أصحابه رضي الله عنهم على القناعة، فلقد أوصى أبا هريرة رضي الله عنه قال له ﷺ: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا) يبين رسول الله أنّ القناعة في الرضا بما قسم الله عزَّ وجل، وشكره على ما آتى عبده من النعم.
ولقد حثَّ النبي ﷺ أمته على طلب القناعة بقوله: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه).
هذه وصية رسول الله، فمن أراد السعادة فعليه بالقناعة.
وقد قيل أن القناعة كنز لايفنى.
----------
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلَّى الله عليْه وعلى آله وصحْبه وسلَّم تسليما كثيرا.
اما بعد فأيها المسلمون، إن الأهم فالغنى هو غنى النفس، ما قال ﷺ: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)
فرُبَّ إنسان يكون ماله كثيرا، لكنه والعياذ بالله جشعٌ طمَّاعٌ جمَّاعٌ منَّاعٌ، كالذي يأكل ولا يشبع، ورُبَّ إنسان آخر يكون رزقه يكاد يكفيه يكون فقيرًا قليل العيش لكنه مع ذلك قد جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، هذا هو الغنى، (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)
ولو تأمّلنا في حياة كثير من الناس، في أحوالهم، وفي كلامهم، تجدون الكثيرين ممن فقدوا القناعة وابتلوا بالطمع والعياذ بالله، عندهم مال وبيوت وتجارة، وتجدهم يتحسرون على ما في أيدي الناس يتمنون لو أنهم مثل فلان وفلان، لايقنعون بما عندهم ولايحمدون الله عليه، لا يهتمون بأن يأكلوا الربا، لا يهتمون بأن يمنعوا الناس حقوقهم، لايهتمون بأن يأكلوا أموالهم بالباطل، لايهتمون يتحايلون على أخذ ما ليس لهم.
كالذي يأكل ولا يشبع، لا يملأ فمه إلا التراب،
وهؤلاء لا يسمعون لنصيحة ناصح ولا لشكوى متضرر.
فمن نصحهم قالوا حاسد ومن اشتكى قالوا حاقد.
عباد الله إن القناعة تجعل الحياة طيبه وتجعل القلب صافياً، كما قال ابن الجوزي رحمه الله: "من قَنعَ طابَ عيشُه .. ومن طَمع طالَ طيشُه".
ولنعلم أن كل منا سيسأله الله سبحانه وتعالى عن كل مال كثير أو قليل: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟
اللهم إنا نسألك الحياة الطيبة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم اجعل قناعتنا في قلوبنا، اللهم اجعل الدنيا في أيدينا، ولا تجعلها في قلوبنا، واجعلها عونًا لنا على طاعتك يا رب العالمين،
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك،
اللهم اغفر ذنوبنا، وأصلح أعمالنا.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات،
وخصنا بمزيدٍ من الرحمات يا رب العالمين..
اللهم أنصر الإسلام والمسلمين
اللهم انصرهم ووحد صفوفهم وثبت أقدامهم
اللهم عليك بالطغاة الظالمين المعتدين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
هذا وأكثروا من الصلاة على نبيكم ﷺ فقد قال الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ونبيّك محمد، اللهم ارزقنا محبتَه واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم اجمعنا به في جنّات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين،
وارض اللهم عنّا وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين.