إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضللِ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جلَّ وعلا، فهي النجاة غداً والمنجاة أبداً، ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. واشكروا نعمة الله عليكم بإتمام رمضانَ صيامًا وقيامًا، واسألوا الله تعالى أن يتقبّل ذلك منكم؛ فإن المهم هو القبول.
عباد الله: إن عمل المؤمن لا يتوقف بانتهاء مواسم العمل، إن عمل المؤمن عملٌ دائم لا ينتهي إلا بالموت، واتْلوا قول ربكم تبارك وتعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، وقال الله سبحانه: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
فلئن انتهى شهر رمضان وهو موسم عمل؛ فإن زمن العمل لم ينتهي، ولئن انتهى صيام رمضان؛ فإن الصيام لا يزال مشروعًا ولله الحمد، فقد سَنَّ رسول الله ﷺ صيام ستة أيام من شهر شوال، حيث قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»
صيام ست من شوال سُنة وليست فريضة ولا حرج في صيامها متتابعة أو متفرقة والمبادرة بها أفضل، ولا تجب المداومة عليها ولكن ذلك أفضل. الفتاوى(15- 389).
ويجوز أن يبدأ بصيام الست من يوم الجمعة أو يوم السبت، ولا كراهة في ذلك؛ لأن الصائم لا يقصد تخصيص يوم الجمعة أو يوم السبت بصيام.
ويجوز صيام يوم السبت منفردا في شوال وغيره، ومن أفرد الجمعة بصيام من أيام الست لأنه لا يتفرغ إلا فيه جاز له ذلك.
وصيام ست من شوال يكون بعد قضاء صوم رمضان.؛ ولأن الفرض مقدم على النافلة.
ولو لم يتمكن الإنسان من صيام الأيام الستة في شوال "لعذر" كمرض أو قضاء رمضان كاملاً حتى خرج شوال ، فهل يقضيها ويكتب له أجرها أو يقال هي سنة فات محلها فلا تقضى ؟
الجواب : يقضيها ويكتب له أجرها ، كالفرض إذا أخره عن وقته " لعذر" وكالراتبة إذا أخرها "لعذر" حتى خرج وقتها فإنه يقضيها كما جاءت به السنة .
ابن عثيمين في الشرح الممتع / ج6 / ص 466 - 467
الجواب : يقضيها ويكتب له أجرها ، كالفرض إذا أخره عن وقته " لعذر" وكالراتبة إذا أخرها "لعذر" حتى خرج وقتها فإنه يقضيها كما جاءت به السنة .
ابن عثيمين في الشرح الممتع / ج6 / ص 466 - 467
ويجوز الجمع بين صيام الست من شوال وصيام الأيام البيض (13-14-15)، أو صيام الإثنين والخميس بنية واحدة.
ولا يجوز الجمع بين قضاء رمضان والست من شوال، ولابد من تبييت النية من الليل لصيام ست شوال.
اللهم وفّقْنا للمسارعةِ في مرضاتك، ولا تَحْرِمْنا مِنْ واسِعِ رحمتِك، وعظيمِ هِباتِكَ، يا سميع الدعاء!
الخطبة الثانية
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها الناس، إن المعاصي بعد الطاعات ربما تُحيط بثوابها فلا يكون للعامل سوى التعب، قال بعضهم: «ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمَن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة كان ذلك علامةً على قبول الحسنة الأولى، كما أن مَن عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كانَ ذلك علامةً على ردّ الحسنة وعدم قبولها» .
فاتّقوا الله عباد الله واستغلوا أعماركم بأعمالكم،
وحقِّقوا أقوالكم بأفعالكم؛ فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله، وسيأتي اليوم الذي يتمنى الواحدُ منَّا زيادة ركعة أو تسبيحة في حسناته، يقول الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
فاغتنموا اعماركم بالصيام والقيام وقراءة القرآن.
اللهم وفّقنا جميعًا لاغتنام الأوقات وعمارتها بالأعمال الصالحات، وارزقنا اجتناب الخطايا والسيئات، وطهّرنا من هذه الموبقات؛ إنك قريب مجيبُ الدعوات .
عباد الله: أكثروا من الصلاة على نبيكم ﷺ فقد قال الله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾
اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ونبيّك محمد، اللهم ارزقنا محبتَه واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم اجمعنا به في جنّات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين،
وارض اللهم عنّا وأصْلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين.
اللهم أنصر الإسلام والمسلمين ووحد صفوفهم وكلمتهم على الحق يارب العالمين.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
﴿رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
واذكروا الله العظيم الجليلَ يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق