الأربعاء، 18 أبريل 2018

خطبة: فضائل شعبان ومايحدث فيه من البدع

أمَّا بعدُ: فَأوصيكم -عبادَ اللهِ- ونفسي بِتَقوى اللهِ -تعالى-: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ*  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ*  لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: لقد فضل الله تعالى بعض الأزمنة على بعض، وجعل لها من المزايا ما يحث المؤمن على الحرص على استغلالها، وإن من هذه الأزمنة: شَهرُ شَعبَانَ، وشَعبَانَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- كَالمُقَدَّمَةِ لِرَمَضَانَ، وَمَن بَلَغَهُ وَعَاشَ أَيَّامَهُ في طَاعَةٍ وَعَمَلِ خَيرٍ وَإِحسَانٍ، فَكَأَنَّمَا هُوَ مَن دَخَلَ المَسجِدَ لأَدَاءِ الصَّلاةِ بَعدَ الأَذَانِ، وَهُوَ في انتِظَارِ أَن تُقَامَ الصَّلاةُ.
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ ﷺ: (ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ. ففي الحديث أن الناس يغفلون عن شهر شَعْبَان لكونه بين شهرين عظيمين، شَهْرُ رَجَبِ الحَرَامُ، وَشَهْرُ الصِّيَامِ؛ فَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِمَا عَنْهُ، فَصَارَ مَغْفُولاً عَنْهُ، والعبادة في زمن الغفلة عنها يكون أجرها أعظم، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنَ النَّبِيِ ﷺ إِلَى أَنَّ بَعْضَ مَا يَشْتَهِرُ فَضْلُهُ مِنَ الْأَزْمَانِ، قَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ.
وَفِي شَعْبَانَ تُعْرَضُ عَلَى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَعْمَالُ الْعَبْدِ خَلَالَ الْعَامِ.
فأعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام، وتعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع فأحب النبي ﷺ أن ترفع أعماله إلى ربّ العالمين وهو صائم لأنَّ الصيام من الصبر، والصبر من أفضل الأعمال التي يحبها الله تعالى وبشر عليها بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
فإذا كان شهر شعبان شهراً للصوم عند رسول الله ﷺ، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها، ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، قال سلمة بن كهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر رمضان، فاطرقوا أبواب الجنان : فإن شهر شعبان بمثائة البوابة التي تدخلنا إلى شهر رمضان، ولأن رمضان هو شهر تفتح أبواب الجنة كما أخبرنا الحبيب ﷺ بقوله (إِذا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدتِ الشياطِينُ)، واطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والناس نيام ، واطرقوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات وبالإلحاح في الدعاء فإن أبا الدرداء كان يقول: (جِدُّوا بِالدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مَنْ يُكْثِرُ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ)، هي دعوة للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب لعله يفتح عن قريب.
عباد الله: من كان عليه قضاءً من رمضان أو كفارةً أو نذرٍ فَلْيَصُمْهُ وليعجل بقضاء ما عليه قبل أن ينتهي شهر شَعْبَان ، فإنه يحرم تأخير قضاء رمضان إلى مابعد رمضان التالي.
ومن أخَّرَ القضاءُ تساهُلاً بغير عُذر حتى جاء رمضانٌ آخَرَ فإنَّه يأثمُ بذلك ويجب عليه مع قضاء الأيام أن يطعم عن كل يوم مسكينًا لكل مسكين نِصف صاع، كيلو ونصف تقريباً.
-----------
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- حَقَّ تَقوَاهُ، وَاستَعِدُّوا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ لِيَومِ لِقَاهُ: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مِن أَمرِهِ يُسرًا﴾.
عِبَادَ اللهِ: اعلموا أن تخصيص لَيْلَةُ النِّصْفِ مِن شَعْبَان بعبادة معينة لم يَرِد عليه دليل صحيح من الشرع، وفعل أي شيء في ليلتها بقصد التخصيص هو من البِدع.
وقد استَدلَ أهل البِدعةِ بأحاديثَ ضَعِيفةٍ وموضوعه، فمنها حَدِيث: (إذا كانت لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فإن اللَّهَ يَنْزِلُ فيها لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا فيقول: ألا من مُسْتَغْفِرٍ لي فَأَغْفِرَ له، ألا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، ألا مبتلى فَأُعَافِيَهُ، ألا كَذَا ألا كَذَا حتى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) وهذا حَدِيثٍ ضَعِيفٍ لايصح.
فلم يرد دليل على تخصيص النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بصَيامُ وَلَيْتَهُمْ يصَومُونَهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، أَوْ يصَومُونَهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ البِيضِ، بَلْ يصَومُونَهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ النِّصْفُ مِنْ شَعْباَنَ وهذا بِدعَةٌ.
ولم يرد دليل على إِحْياءُ لَيْلَةُ النِّصْفِ من شَعْبَان بما يُسَمَّى بصلاة البَرِاءة، وهي مائة ركعة، أو ما يُسمى بصلاة الألفية، أو صلاة سِتَ ركعاتٍ بِنِّيَةِ دَفّعِ البَلاء، وطولِ العُمُر، والاستغناء عن الناس، أو قراءة سورة (يس) والدعاءِ في  لَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ بدعاء مخصوصٍ بقولهم: (اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ، وَلَا يُمَنُّ عَلَيْكَ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ..) أو الإحتِفال بِلَيْلَةِ النِّصْفِ من شَعْبَانَ، وَرُبَّمَا يُزَيِّنُوا بُيُوتَهُمْ، أو الإعتِقَادُ أنَّها مثلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ في الفَضل.
وكذلك يستدلون بحديث: (يا عليُّ من صلَّى مائةَ ركعةٍ في النِّصفِ من شَعْبَانَ يقرأُ في كلِّ ركعةٍ بفاتحةِ الكتابِ، و﴿قُلْ هَوَ اللهُ أَحَدٌ عشرَ مرَّاتٍ، قال النَّبيُّ ﷺ: يا عليُّ ما من عبدٍ يُصلِّي هذه الصَّلواتِ إلَّا قضَى اللهُ عزَّ وجلَّ له كلَّ حاجةٍ... إلخ). وهذا حديث موضوع ولا يصح الاستدلال به.
وَكُلُّ هَذَا مِنَ الأُمُورِ المُحْدَثَةِ، الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبيُّ ﷺ وَلَا صَحْبُهُ، وَلَا مَنْ تَابَعُوهُمْ، وَهُمْ الحُجَّةُ لِمَنْ أَرَادَ سَوَاءَ السَّبِيلِ.
عباد الله: احرصوا أن تعبدوا الله تعالى بما شَرَعَ لكم في كِتابِهِ أو جاء مَُبيَّناً في سُنَّةِ رسوله وما كان عليه الخُلفاء الراشدون المهديون من بعده، وإياكم والبدع فإنَّ البِدع ضلالات وطامات ولا يستفيد العبد من عملها إلاَّ البعد من الله تبارك وتعالى، فتًفَقًّهُوا في دينِكُم، واجتهدوا في تَعلُّمِ سُنَّةَ نبيكم ففي ذلك الخير لكم في الدنيا والآخرة.
أسال الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يعيننا وإياكم على التمسك بكتابة وسنة نبيه وأن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً. وأسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يُحسِنَ عملنا فيه.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنَّكَ تَعلَمُ مَن سَيُدرِكُ مِنَّا رَمَضَانَ مِمَّن لا يُدرِكُهُ، اللهُمَّ إِنَّا نَستَودِعُكَ أَنفُسَنَا وَقُلُوبَنَا، اللَّهُمَّ مُدَّ عَلَى طَاعَتِكَ آجَالَنَا، وَبَلِّغْنا فِيمَا يُرضِيكَ آمَالَنَا، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ كما أمرَكم بذلك ربُّكم ربُّ العالمينَ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال ﷺ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد، اللَّهُمَ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ واجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ!
الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهم بلغنا رمضان وانت راض عنا يا ارحم الراحمين، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه واجعلنا فيه من عتقائك من النار.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق