الثلاثاء، 29 مايو 2018

خطبة: العشر الأواخر وليلة القدر

اما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته، واغتنام شهر التقوى بتحصيل أعلى درجاتها ونيل أسمى مراتبها فإنها خير زاد وأرجى ذخر، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، قال ﷺ: (من قامَ رَمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر لَه ما تقدَّم مِن ذَنبِه) متّفق عليه.
فشهر رمضان كله رَحْمَةٌ ومَغْفِرَةٌ، قال ﷺ: (إنَّ لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة، لكلِّ عبد منهم دعوةٌ مستجابة)، أي: في رمضان، وهذا حديث صحيح.
فماهي إلا أيام وتدخل أيامٌ هي خَيرِ أيام رَمَضَانَ وَيَا للهِ كَم فيهَا مِن عَتِيقٍ مِنَ النِّيرَانِ! وَكَم فِيهَا مِن خَسَرَانَ! وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ وَأَعَانَهُ، وَالمَخذُولُ مَن وُكِلَ إِلى نَفسِهِ فَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَشَيطَانَهُ.
أَلا وَإِنَّ ممَّا اعتَادَهُ بَعضُ النَّاسِ لِقِلَّةِ الفِقهِ وَسُوءِ الفَهمِ، أَن يَنشَطُوا في أَوَّلِ الشَّهرِ، وَمَا إِن تَأتي العَشرُ الأَوَاخِر المُبَارَكَةُ، عَشرُ الرَّحمَةِ والخَيرَاتِ وَالحَسَنَاتِ المُضَاعَفَاتِ، اعتَرَاهُمُ المَلَلُ، وَغَلَبَ عَليهِمُ الكَسَلُ، أَمَا عَلِمُوا أنَّها أفضل أيام رمضان.
ولهذا كان النبي ﷺ يعتكف ليلها ونهارها بل إنه رأى في منامه أنه يسجد في صبيحة ليلة القدر في ماء وطين فكانت ليلة إحدى وعشرين ومع ذلك أتم اعتكافه إلى آخر الشهر مع أن ليلة القدر قد مضت ؛ فدل على مشروعية الاجتهاد في العبادة ليلها ونهارها ، ودل على ذلك أيضًا حديث عائشة رضي الله عنها: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. رواه مسلم.
وقَالَت: كَانَ إِذَا دَخَلَ العَشرُ شَدَّ مِئزَرَهُ وَأَحيَا لَيلَهُ وَأَيقَظَ أَهلَهُ.
فالرابح فيها من وفقه الله للطاعة وتقبل منه، والخاسر فيها من انشغل عنها وفاتته بركاتها. ، فمن كان يتصدق في بداية رمضان ويقرأ القرآن فالآن وقت الصدقات وقراءة القرآن والقيام فهي أفضل أيام رمضان،
ونبينا ﷺ قَد أَرشَدَ أُمَّتَهُ إِلى تَحَرِّي لَيلَة القَدرِ وَحثنا على التِمَاسِهَا وَطَلَبِ مُوَافَقَتِهَا، لأنها أفضل ليلة في العام كله، وهذه الليلة لَيْلَةٌ عَظِيمَةُ الشَّأْنِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي شَهْرِ رَمَضانَ، وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالعِشْرِينَ مِنْهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَيَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيالِي رَمَضانَ، لَكِنْ لاَ تَخْرُجُ عَنْ رَمَضانَ وَالغالِبُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي العَشْرِ الأَواخِرِ مِنْ رَمَضانَ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "تَحَرَّوا لَيلَةَ القَدرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ"
أَلا فَلْنَجتَهِدْ في هَذِهِ العَشرِ طَلَبًا لِلَيلَةِ القَدرِ كَمَا كَانَ نَبِيُّنَا ﷺ يَفعَلُ، وَلْنُضَاعِفِ العَمَلَ وَلْنَستَكثِرْ مِنَ الخَيرِ، وَلْنَتَقَرَّبْ إِلى الله وَلْنُكثِرْ مِنَ دُّعَائِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيهِ،
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ (إِنَّا أَنزَلنَاهُ في لَيلَةِ القَدرِ * وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ * لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ * تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطلَعِ الفَجرِ).
وفقنا الله جميعا لاغتنام هذه الليالي المباركة، وجعلنا الله ممن وُفقوا لقيامها، وممن فازوا فيها بالأجر العظيم.
اللهم وفقنا للجد والاجتهاد في هذه العشر؛ وارزقنا الإخلاص والقبول، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا. اللهم اجعلنا في هذه العشر من الفائزين.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئاتنا وتقصيرنا.
----------
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
أما بعد فاتقوا الله ياعباد الله واعلموا أنّ أعظم مايقصد من العبادات في ليالي العشر هو قيام الليل لقوله ﷺ: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
ولايمكن الجزم بقيام ليلة القدر إلا بقيام العشر كلها.
وكلما كان زمن صلاة القيام أطول كان أعظم ثوابًا وأجرا ، ولهذا فالمسلمون في هذه العشر يقومون أول الليل وآخره ، ومن استطاع أن يصلي بعد انصرافه من قيام أول الليل فليفعل وله أن يجلس على كرسي وأن يقرأ من المصحف إذا لم يكن حافظاً.
ولهذا لو سَئل سائلٌ ماهي أفضل عبادة يفعلها المسلم بين قيام أول الليل وآخره في هذه العشر
فالجواب: هي الصلاة؛ فيصلي ويقرأ من القرآن ويسأل عند آيات الرحمة ويستعيذ عند آيات الوعيد والعذاب فيكون جمع بين الصلاة وقراءة القرآن والدعاء.
وينبغي أن يكثر من الدعاء الذي علمه النبي ﷺ عائشة رضي الله عنها حين قالت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِن وَافَقتُ لَيلَةَ القَدرِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ ﷺ: " قُولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عَنِّي ".
فَمَنْ أَرَادَ إِحْياءَ لَيْلَةِ القَدْرِ فَلْيَتَهَيَّأْ بِالطَّاعَةِ عَلى النَّحْوِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ تَعالى، يُحْيِيها بِذِكْرِ اللهِ، يُحْيِيهَا بِالاِسْتِغْفارِ، يُحْيِيهَا بِصَلاةِ التَّطَوُّعِ، يُحْيِيها بِتِلاوَةِ القُرآنِ الكَرِيمِ، يُحْيِيهَا بالدعاء.
هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على إمام الصائمين وقدوة القائمين، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وقال ﷺ: (مَن صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أنصر إخواننا المستضعفين في كل مكان
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وجميع بلاد المسلمين اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين،
اللهم أصلح ولي أمرنا وجميع ولاة المسلمين اللهم واحفظهم بحفظك وأيدهم بتأييدك واجعل عملهم في رضاك وأعز بهم الإسلام وأهله.
اللهم انصر جنودنا واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر.
عباد الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ




الثلاثاء، 22 مايو 2018

خطبة: الصدقة والقرآن في رمضان

أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله فإن تقوى الله سبحانه وتعالى، هي وصيَّة اللهِ للأوَّلين والآخِرين، يقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ وخاصة أننا في شهر التقوى، وفي موسم يدفعنا إلى التقوى
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَات
صدق الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا، رمضان أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ، فتأمل أيام معدودات، هذا الذي يستثقله بعض الناس، ويتمنى بعضهم نهايته، ماهو إلا أيام معدودات، والله أعلم بما نقضي هذه الأيام، فالناس بين رابح وخاسر، وبين غانم ومغبون.
ولكن ينبغي لنا، بل يجب علينا، الإحسان والتقرب إلى الله فيما بقي من أيام، التي سوف تمر كما مرت الأيام التي قبلها.
عباد الله: قال الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ
إن من العبادات العظيمة في رمضان وفي كل الأوقات الصدقة: فالصدقة أيها الأحبة تطفئ غضب الله عز وجل وتدفع عن العبد المصائب والبلاء والخاتمة السيئة بسبب رضا الرحمن عنه لأنه تصدق. يقول ﷺ:"تصدقوا فإن الصدقَةَ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وتَدْفَعُ مِيتَة السُّوءِ" الصدقة تسد سبعين بابًا من السوء، والصدقة تحصين للمال وزيادة له ونماء ودفع للفقر، والحاجة والفاقة يقول ﷺ:"مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا" والصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه.
ولقد اخبرنا رسولنا ﷺ وهو الذي لا ينطق عن الهوى، أن الصدقة دواءً للأمراض البدنية فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ"
وكما أنها دواء للأمراض الحسية فهي كذلك دواءً للأمراض القلبية والمعنوية: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً شكا إلى رسول اللَّه ﷺ قسوة قلبه فقال ﷺ: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ"
ومن ثمراتها أن تحل البركة و النماء في ذلك المال كما اخبر بذلك سيد الرجال ﷺ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله ﷺ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ". أخرجه مسلم
ومن ثمرات الصدقة أن صاحبها يُدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة: فالله تعالى بكرمة ومنه جعل لكل عمل من أمهات الأعمال بابا في الجنة يدخل منه أهله فهناك باب للصلاة وهناك باب للجهاد، وهناك باب للصوم، وكذلكم هناك باب للصدقة، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله ﷺ قال: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ ﷺ: "نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". في الصحيحين.
ومن ثمرات الصدقة أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة فعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: "كلُّ امْرِىءٍ فِي ظِلِّ صَدقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ". قَالَ يَزِيدُ: فَكَانَ أبو الْخَيْرِ مَرْثَدٌ لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إلاَّ تَصَدَّقَ فِيهِ- بِشَيءٍ، وَلَوْ كَعْكَة، أوْ بَصَلَةً"
والصدقة أجرها ثابت ولو كانت على البهائم أو الطيور.
‏عباد الله: إن ما سمعتموه من ثواب الصدقة عام في كل وقت فكيف إذا كانت في رمضان؟ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ"
وقال ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» قال ابن رجب: وذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحه فيه أفضل من ألف تسبيحه في غيره.
فاحرصوا على ما يقربكم من ربكم، وما يكون سببا في رفع درجاتكم، وإعلاء منازلكم يوم القيامة.
﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
عباد الله: في يوم الإثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان ليلاً والنبي ﷺ في الأربعين من عمره أذِنَ الله عز وجل للنور أن يَتَنَزَلُ على النبي ﷺ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، وكان أول ما نزل من القرآن ﴿ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلاْكْرَمُ.
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم.
وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء، وتنزل الوحي بالنور والضياء، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء. ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ
ومن قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولاً آخر، إنه نزول القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر ﴿إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ﴾. ﴿إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ﴾. قال ابن عباس: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ . ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً. النسائي والحاكم.
عباد الله: إن ثواب قراءة القرآن عظيم، وهو أعظم في شهر القرآن، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ النَّبِيُّ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ".
وقال ﷺ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ" أخرجه البخاري.
وعلينا ألا نستعجل في قراءة القرآن فالمقصود ليس عدد الصفحات.
قال ابن القيم:"فقراءة آيَة بتفكر وتفهم، خير من قِرَاءَة ختمة بِغَيْر تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى الى حُصُول الايمان وذوق حلاوة الْقُرْآن، وَهَذِه كَانَت عَادَة السّلف يردد احدهم الآية الى الصَّباح".
فيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدٌ يَوْمِيٌّ طُوَالَ السَّنَةِ، كَمَا هِيَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ.
ويَنْبَغِي لَكَ أَيُّهَا الصَّائِمُ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ بِالْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لِتَقْرَأَ كَلَامَ رَبِّكَ، وَتَتَمَتَّعَ بِحَدِيثِ مَوْلَاكَ.
عَنْ أَبِيْ أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ"مُسْلِمٌ.
وهنا تنبيه بخصوص قراءة القرآن أنه يجب في قراءة القرآن تحريك الشفتين وأن يخرج منك صوت القراءة، أما مجرد مطالعة المصحف والقراءة في الصدر فهذا لا يحصل له أجر القراءة.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة؟ أو يكفي بالقلب؟ فأجاب: "القراءة لابد أن تكون باللسان، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه ؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين" انتهى. مجموع فتاوى ابن عثيمين 13/156
أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَمِمَّنِ اعْتَنَى بِهِ فَقَرَأَهُ وَحَفِظَهُ وَتَدَبَّرَهُ وَعَمِلَ بِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا وَذَهَابَ غُمُومِنَا وَهُمُومِنَا، اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّيْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَحَلَّ حَلالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، وَعَمِلَ بِمُحْكَمِهِ وَآمَنَ بِمُتَشَابِهِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَاهِدَاً لَنَا لا شَاهِداً عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَفِيعاً لَنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ تقبل منا صيامنا وقيامنا وصدقاتنا وصالح أعمالنا وأجعلها خالصة لوجهك الكريم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أنصر المسلمين في الشام والعراق واليمن وأراكان وفي كل مكان يارب العالمين،
اللهم واحمي حوزة الدين، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وجميع بلاد المسلمين،
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واكفنا شرَّ شرارِنا، واجعل ولايتنا وولاية جميع المسلمين في من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.



خطبة: مسائل في الصيام

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ أوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العليّ العظيمِ، يقولُ اللهُ تبارَكَ وتعَالى في مُحْكَمِ التَّنْزيلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ شهرِ رمضانَ فُرِضَ في السّنة الثّانية للهجرة، وصِيامَه عبادةٌ عظيمةٌ، خَصَّها اللهُ بخصائِصَ، منها ما ورَدَ في الحديثِ القدسيّ الذي أخرَجَهُ البُخاريُّ: قالَ اللهُ تعالى: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي).
واعلموا أنه مَنْ أفطَرَ في نهار رمضانَ لغيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيّ فعليْهِ التوبة وقضاءُ الأيَّامِ التي أفطَرَ فِيها وقد أرتكب كبائر الذنوب.
ويشترط للحكم بفطر من وقع في المفطر ثلاثة شروط: أن يكون عالمًا ذاكراً مختاراً.
● ومفطرات الصيام هي:
الأكل والشرب عمداً ومافي حكمها مثل الإِبَرُ التي تَحْمِلُ مُغَذِّيَاتٍ؛ فَإِنَّهَا مُفَطِّرَةٌ؛ لَأَنَّ الْمُغَذِّي يَحْتَوِي عَلَى الْمَاءِ وَالْجُلُوكُوزِ. وَالْخُلاصَةُ أَنَّ الإِبَرَ؛ إِنَّ كَانَتْ عِلاَجِيَّةً؛ فَلَا تُفَطِّرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَذِّيَةً؛ فَهِيَ تُفَطِّرُ.
فيجبُ الإمساكُ عنِ المفطراتِ عنِ الأكلِ والشُّربِ وعنْ إدخالِ كلِّ ما لَهُ حجْمٌ ولَوْ صغيرًا مِنْ مَنْفَذٍ مفتوحٍ كالفَمِ والأنْفِ (ولَوْ كانَ ذلكَ أجزاءً صغيرةً كدُخانِ السيجارةِ والشيشة ودُخانِ البخور) أو في القُبُلِ والدُّبُرِ، أما التَّحَامِيلُ الطِّبِيَّةُ (اللُّبُوس): حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا بَعْضُ الْمَرْضَى لِخَفْضِ الْحَرارَةِ، أَوْ عِلاَجِ بَعْضِ الْاِلْتِهَابَاتِ عَنْ طَرِيقِ فَتْحَةٍ الشَّرَجِ؛ فَهَذِهِ لَا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً؛ لِعَدَمِ تَقَوِّي الْجَسَدِ بِهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ، وَلَا بِمَعْنَاهُمَا.
وإن أمكن الصائم أن يؤخرها إلى ما بعد الإفطار: فهو أولى وأحوط لصومه، وأبرأ لذمته، لأن من أهل العلم من يرى بطلان صومه بذلك.
ومِنَ المفطراتِ الاسْتِمْناءُ وهوَ إِخراجُ المنِيّ بِنَحوِ اليَدِ، وكذلك الاستِقَاءَةُ وهي إخراج القيْء عمدا كإدخالِ إصبَعِهِ في فَمِهِ، أما إن خرج القيء بدون تعمد فلا يفسد الصوم.
ومِنَ المفطّراتِ الجِماعُ في نَهارِ رمضانَ سواء كان بإنزال أو بدونه وسواء كان الجماع للزوجة أو بالزنا أو بفعل قوم لوط.
فَمَنْ فعلَ ذلكَ معَ العِلْمِ والتَّعَمُّدِ والاخْتِيارِ أَفْطَرَ، أي إذا كان عالِمًا بالحكمِ وغيرَ نَاسٍ وغيرَ مُكْرَهٍ أَفْطَرَ، ويجب عليه وعلى زوجته إذا كانت غير مكرهه يجب على كل واحد منهم مع القضاء كفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فليطعم ستين مسكيناً، ولا يجوز له أن يطعم ستين مسكيناً إلا إذا عجز عن صيام شهرين متتابعين.
ويجوز للرجل أن يجامع زوجته في ليالي رمضان، قال تعالى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم
ومن المفطرات الحجامة لما ورد في الحديث: (أفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) فيقاس عليها ما كان في معناها، كالتبرع بالدم أو تحليل الدم إذا كان كثيراً، أما إذا كان الدم المستخرج للتحليل يسيراً، كالدم المستخرج لقياس السكر في الدم فهذا لا يفسد الصيام؛ لأنه دم يسير.
غَسْلُ الْكُلَى: إِنْ كَانَ عَنْ طَرِيقِ الأَجْهِزَةِ؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَطِّرٌ؛ لِوُجُودِ مُغَذّيَاتٍ تُصَاحِبُ الْغَسْلَ؛ كَسُكَّرِ الْجُلُوكُوزِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْغِشَاءِ البرُوتِينِيِّ؛ فَإِنْ كَانَ يُصَاحِبُهُ مُغَذّيَاتٌ- وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهِ- فَهُوَ مُفَطِّرٌ.
وخروج دم الحيض والنفاس يفطر حتى لو كان قبل أذان المغرب بدقائق.
● أما الأمور التي لا تفطر فهي:
خروج الدم من أي مكان من الإنسان بغير اختياره وإذا كان من الفم وجب لفظه ولا شيء عليه.
وكذلك اِسْتِخْدَامُ الْبَخَّاخَاتِ، وَغَازِ الأُكْسُجِينَ؛ لِعِلَاجِ مَرْضَى ضِيقِ التَّنَفُّسِ وَالرَّبْوِ، إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ، أَوْ الأَنْفِ؛ فَالصَّحِيحُ – وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنَ الْمُفْطِّرَاتِ؛ لَأَنَّ هَذِهِ الْعِلَاجَاتِ تَتَّجِهُ إِلَى الجِهَازِ التَّنَفُّسِيِّ، لَا إِلَى الْمَعِدَةِ.
أما البُخار الذي يحول الماء إلى بخار ورذاذ ناعم فإنه يفطر.
أمَا الْحُقَنِ الطِّبِيَّةِ: فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الِإبَرُ تَحْتَوِي عَلَى عِلاَجَاتٍ؛ كَمُضَادَّاتٍ حَيَوِيَّةٍ أَوْ مسكنة للألم أو ِإبَرُ الْبِنْجِ وغَيْرِهَا؛ فَلَا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً؛ سَواءَ اِسْتُعْمِلَتْ عَنْ طَرِيقِ الْعَضَلِ، أَوْ الْوَرِيدِ، أَوْ الإِبَرِ الشَّرَجِيَّةِ، أَوْ تَحْتَ الْجِلْدِ؛ كَإِبَرِ مَرْضَى السُّكَّرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ، وَلَا بِمَعْنَاهُمَا؛ فَيَجُوزُ للصائم – مَتَى اِحْتَاجَ إِلَيهَا- اِسْتِخْدَامُهَا.
كَذَلِكَ يَجُوزُ للصائم اِسْتِخْدَامُ الْحُبُوبِ الَّتِي تُوضَعُ تَحْتَ اللِّسَانِ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهَا بَعْضُ الْمَرْضَى لِوقَايَتِهِمْ مِنَ الْأَزَمَاتِ الْقَلْبِيَّةِ حَيْثُ تَذُوبُ وَتَنْتَقِلُ عَنْ طَرِيقِ الدَّمِ؛ لِعِلَاجِ الْأَزْمَةِ الْقَلْبِيَّةِ، أَوْ الْوقَايَةِ مِنْهَا، وَلَا تَمُرُّ بِالْمَعِدَةِ؛ فَهَذِهِ لَا تُعَدُّ مِنَ الْمُفَطِّرَاتِ.
وخلع السن لا يفطر.
والسواك سنّة للصائم في جميع النهار وإن كان رطبا، وإذا استاك وهو صائم فوجد حرارة أو غيرها من طَعْمِه فبلعه أو أخرجه من فمه وعليه ريق ثم أعاده وبلعه فلا يضره، ويجتنب ما له مادة تتحلل كالسواك الأخضر، وما أضيف إليه طعم خارج عنه، ويُخرج ما تفتت منه داخل الفم، ولا يجوز تعمد ابتلاعه فإن ابتلعه بغير قصده فلا شيء عليه. وبلع الريق، وتذوق الطعام ومعجون الأسنان، لا يفطر بشرط ألا يُبتلع منه شيء.
وقَطَرَاتُ الْعَيْنِ وَالأُذُنِ والأَنْفِ؛ فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّهَا غَيْرُ مُفَطِّرَةٍ؛ لِعَدَمِ وُصُولِهَا إِلَى جَوْفِ الإِنسَانِ.
كَذَلِكَ يَجُوزُ للصائم اِسْتِخْدَامُ اللَّصَقَاتِ الطِّبِيَّةِ عَلَى أَجْزَاءِ جَسَدِهِ؛ وَهُوَ صَائِمٌ.
وحلق الشعر وقص الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة، كل ذلك لا لا يؤثر على الصيام.
--------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله قال الله تعالى:﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، فالله عز وجل بدأ من المعذورين بالمريض، وأهل الأعذار في الفطر نوعان: من له عذر يرجى زواله وهم:
المريض المرجو برؤه "الذي له علاج" والحائض والنفساء فهؤلاء يفطرون ويقضون، والحامل والمرضع اللتان تخافان على ولديهما أو نفسيهما من الصيام فهؤلاء أيضا يفطرون ويقضون.
النوع الثاني من له عذر لايُرجى زواله "ليس له علاج" وهم:
من عجز عن الصوم لكبر سنه بحيث أصبح ضعيفاً لا يستطيع الصيام أو لمرض لايرجى برؤه، فهؤلاء يسقط عنهم الصيام ويطعمون مسكينًا عن كل يوم نصف صاع من أرز أو غيره وقدره كيلو ونصف.
لكن لا يترك الصيام لمجرد أنه كبير في السن أو عنده بعض الألم الذي لا يمنعه من الصيام، هذا يجب عليه الصيام.
أما فاقد العقل فليس عليه صيام ولا إطعام مثل الكبير المهذري لا يصوم ولا يُطعم عنه.
ويجوز للمسافر أن يفطر (ولو كان سفره دائماً كأصحاب التريلات وسيارات الأجرة) وعليه أن يقضي.
ويجوز للمسافر أن يفطر سواء شق عليه السفر أم لا، والأفضل أن يصوم إذا لم يكن فيه مشقة.
وإذا تضرر المسافر أو المريض بالصيام يحرم عليهما الصيام.
واعلموا أنه يجب تبييت النية لصيام رمضان كل يوم والنّيَّةُ محلُّهَا القَلْبُ يعني لا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بها باللّسانِ، ويَجِبُ تبييتُها أي إيقاعها ليلاً قَبْلَ الفَجْرِ لكُلّ يومٍ لقوله ﷺ (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ). يعني لِمُجرَّدِ أنَّك تَيَقَّنْتَ منْ دخولِ المغرِبِ فَنَوَيْتَ صيامَ اليومِ الثاني صَحَّتْ هَذِهِ النّيَّةُ، ثمَّ تَعَاطي المفَطّراتِ بعدَ المغربِ وقَبْلَ طلوعِ الفَجْرِ مِنْ أَكْلٍ وشُرْبٍ وجِماعٍ وغيْرِ ذلكَ لا يُؤَثِّرُ على هذهِ النّيَةِ.
اللهم أعنّا في رَمْضَانَ على الطّاعةِ والإحسانِ، ووفِّقنا فيه لحُسنِ الصِّيامِ والقِيامِ، وارزقنا فيه توبةً نصوحاً تغسِلُنا بها من جميعِ الذُّنوبِ والآثامِ. اللهم أعنا على صيامه وقيامه وإتمامه، ووفقنا للقيام بحقك فيه وفي غيره.
إخوة الإيمان اعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللّهُمَّ صَلّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيم، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.
اللهُمَّ اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وآمِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء.
عبادَ اللهِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا. وَأَقِمِ الصلاةَ.

الأربعاء، 9 مايو 2018

استقبال رمضان

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
أَمّا بَعْدُ: فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، وقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: هَا هُوَ الشَّهْرُ الْعَظِيمُ يُقْبِلُ عَلَيْنَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُـخْبِـرُ أَصْحَابَهُ بِقُدُومِهِ بِقَوْلِهِ: (قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ)، رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
عباد الله: إن من الناس من بينه وبين أخيه أو قريبه خلاف لا يكلمه ولا يسلم عليه فيدخل رمضان ويخرج وهو على هجره وقطيعته، فماذا استفاد من رمضان؟ وهذا في خطر لأن أعماله لا ترفع لله، لا تفطيره للصائمين ولا تصدقه على المصلين كلها لاترفع لله! لماذا؟ لأن بينه وبين فلان شحناء! زعل وقطيعة، قال ﷺ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلٌ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا). فلنتواصل ونتحاب ونتراحم وليسرع كل متخاصمين إلى الصلح حتى ترفع اعمالهما مع عباد الله الصالحين وذلك لقول المصطفى ﷺ: (فإذا اصْطَلَحَا غُفِرَ لهما).
وقال ﷺ: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)
ومن أعظم اسباب التشاحن جحد الحقوق والمماطلة في سداد الديون قال رسول الله ﷺ محذرا من التساهل في حقوق الناس: (مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه مِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ). وبين النبي ﷺ أن الدين لا يغفر مهما بلغ صلاح المؤمن. قام رسول الله ﷺ في أصحابه فذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِﷺ: (نَعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلَّا الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِي ذَلِكَ). فمن كان عليه دين فليعجل بسداده ويحرم تأخيره والمماطلة فيه بغير عذر. خاصة ونحن على أعتاب هذا الشهر المبارك فحري بالمؤمن أن يؤدي ما عليه من حقوق ليتفرغ للعبادة والطاعة.
اللهم يا ربنا يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم اجعل لنا أجمعين هذا الشهر الكريم المبارك مغنما، واجعله إلى الخيرات مرتقًى وسلَّما، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

---------------------------
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتّقوا الله تعالى وقوموا رمضان، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ: يَنْبَغِي أَنْ نَسْتَقْبِلَ رَمَضَانَ بِالْفَرَحِ بِإِدْرَاكِهِ، لِأَنُّهُ فَضْلٌ مِنْ رَبِّكَ أَنْ تُدْرِكَ هَذَا الشُّهْرَ، لِأَنُّهُ مَوْسِمُ طَاعَةٍ وَوَقْتُ عِبَادَة. فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
فَكَمْ مِنَ النَّاسِ أختطفته الْمَنِيَّةُ فَلَمْ يَأْتِ رَمَضَانُ إِلَّا وَهُوَ تَحْتُ اللُّحُودِ وَقَدْ أَكَلَ جِسْمَهُ الدُّودُ!
عباد الله: إن من الناس من يستعدون لرمضان بالملاهي والمحرمات، ويعينهم على ذلك شياطين الجن بالوسوسة والتثبيط، ويتسلط عليهم شياطين الإنس بما يعدونهم به في فضائياتهم من مسلسلات وملهيات تصدهم عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة، وتزين لهم السوء، فتقسو بها قلوبهم، ويتثاقلون عن الطاعات، وربما كان في بعض مشاهدها سخرية بدين الله تعالى أو بحملته من العلماء والمحتسبين وعباد الله الصالحين، ولا يحل لمسلم يؤمن بالله تعالى أن يحضر تلك المجالس، ولا أن يستمتع بتلك المشاهد وإلا كان شريكًا لهؤلاء المجرمين الساخرين في سخريتهم بدين الله تعالى أو بعباده الصالحين: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا
فعَلَيْنَا ياعباد الله أن نستغل هَذَا الشَّهْرِ بِالدَّعَاءِ، لِأَنْفُسِنَا، وَوَالِدِينَا، وَذَرَارِينَا، وَأَصْحَابِنَا، وَأَحْبَابِنَا، وَلِلْمُسْلِمِيـنَ!
اللهم تب علينا وأغفر لنا وعافنا وأعف عنا ياذا الجلال والإكرام، وبلغنا رمضان ولا تجعلنا فيه من المحرومين
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ، وَأَنْ يبارك لنا فيه،  وأن يُعِينَنَا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَأَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، اللَّهُمَّ بَلِّغْنا رَمَضَانَ وَنَحْنُ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَسِتْرٍ مِنْكَ وَأَعِنّا عَلَى صِيامِهِ وَقِيامِهِ عَلَى الوَجْهِ الّذِي يُرضْيِكَ عَنّا وَاجْعَلنَا فِيهِ مِنَ المَقْبُولِينَ.
هذا واعلموا أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمدٍ ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذ شذَّ في النار.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
وقال : (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا).
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ الصديق، وعمرَ الفاروق، وعثمانَ ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللَّهُمَّ احْقِنْ دِماءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. اللَّهُمَّ عَلَيْكَ باِلفِئَةِ البَاغِيَةِ الّتِي تَسْتَحِلُّ الدِماءَ وَالأَمْوَالَ وَالأَعْرَاضَ وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنافِقِينَ.
اللهم احفظ علينا بلادنا وعقيدتنا وأمننا وإيماننا
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا ومقدساتنا بكيد فكد به ومن أرادها بمكر فامكر به
اللهم أصلح ولاة أمورنا وانصر رجال أمننا واكفهم شر الأشرار وكيد الفجّار
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبَلَ السَّلامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنْ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأْبَصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذَرِّيَاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شاَكِرِينَ لِنِعَمِكِ، مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ، قَابِلِينَ لَهَا وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا!
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ