الثلاثاء، 22 مايو 2018

خطبة: مسائل في الصيام

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ أوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوَى اللهِ العليّ العظيمِ، يقولُ اللهُ تبارَكَ وتعَالى في مُحْكَمِ التَّنْزيلِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
إخوةَ الإيمانِ إنَّ شهرِ رمضانَ فُرِضَ في السّنة الثّانية للهجرة، وصِيامَه عبادةٌ عظيمةٌ، خَصَّها اللهُ بخصائِصَ، منها ما ورَدَ في الحديثِ القدسيّ الذي أخرَجَهُ البُخاريُّ: قالَ اللهُ تعالى: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي).
واعلموا أنه مَنْ أفطَرَ في نهار رمضانَ لغيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيّ فعليْهِ التوبة وقضاءُ الأيَّامِ التي أفطَرَ فِيها وقد أرتكب كبائر الذنوب.
ويشترط للحكم بفطر من وقع في المفطر ثلاثة شروط: أن يكون عالمًا ذاكراً مختاراً.
● ومفطرات الصيام هي:
الأكل والشرب عمداً ومافي حكمها مثل الإِبَرُ التي تَحْمِلُ مُغَذِّيَاتٍ؛ فَإِنَّهَا مُفَطِّرَةٌ؛ لَأَنَّ الْمُغَذِّي يَحْتَوِي عَلَى الْمَاءِ وَالْجُلُوكُوزِ. وَالْخُلاصَةُ أَنَّ الإِبَرَ؛ إِنَّ كَانَتْ عِلاَجِيَّةً؛ فَلَا تُفَطِّرُ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَذِّيَةً؛ فَهِيَ تُفَطِّرُ.
فيجبُ الإمساكُ عنِ المفطراتِ عنِ الأكلِ والشُّربِ وعنْ إدخالِ كلِّ ما لَهُ حجْمٌ ولَوْ صغيرًا مِنْ مَنْفَذٍ مفتوحٍ كالفَمِ والأنْفِ (ولَوْ كانَ ذلكَ أجزاءً صغيرةً كدُخانِ السيجارةِ والشيشة ودُخانِ البخور) أو في القُبُلِ والدُّبُرِ، أما التَّحَامِيلُ الطِّبِيَّةُ (اللُّبُوس): حَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا بَعْضُ الْمَرْضَى لِخَفْضِ الْحَرارَةِ، أَوْ عِلاَجِ بَعْضِ الْاِلْتِهَابَاتِ عَنْ طَرِيقِ فَتْحَةٍ الشَّرَجِ؛ فَهَذِهِ لَا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً؛ لِعَدَمِ تَقَوِّي الْجَسَدِ بِهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ، وَلَا بِمَعْنَاهُمَا.
وإن أمكن الصائم أن يؤخرها إلى ما بعد الإفطار: فهو أولى وأحوط لصومه، وأبرأ لذمته، لأن من أهل العلم من يرى بطلان صومه بذلك.
ومِنَ المفطراتِ الاسْتِمْناءُ وهوَ إِخراجُ المنِيّ بِنَحوِ اليَدِ، وكذلك الاستِقَاءَةُ وهي إخراج القيْء عمدا كإدخالِ إصبَعِهِ في فَمِهِ، أما إن خرج القيء بدون تعمد فلا يفسد الصوم.
ومِنَ المفطّراتِ الجِماعُ في نَهارِ رمضانَ سواء كان بإنزال أو بدونه وسواء كان الجماع للزوجة أو بالزنا أو بفعل قوم لوط.
فَمَنْ فعلَ ذلكَ معَ العِلْمِ والتَّعَمُّدِ والاخْتِيارِ أَفْطَرَ، أي إذا كان عالِمًا بالحكمِ وغيرَ نَاسٍ وغيرَ مُكْرَهٍ أَفْطَرَ، ويجب عليه وعلى زوجته إذا كانت غير مكرهه يجب على كل واحد منهم مع القضاء كفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فليطعم ستين مسكيناً، ولا يجوز له أن يطعم ستين مسكيناً إلا إذا عجز عن صيام شهرين متتابعين.
ويجوز للرجل أن يجامع زوجته في ليالي رمضان، قال تعالى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم
ومن المفطرات الحجامة لما ورد في الحديث: (أفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) فيقاس عليها ما كان في معناها، كالتبرع بالدم أو تحليل الدم إذا كان كثيراً، أما إذا كان الدم المستخرج للتحليل يسيراً، كالدم المستخرج لقياس السكر في الدم فهذا لا يفسد الصيام؛ لأنه دم يسير.
غَسْلُ الْكُلَى: إِنْ كَانَ عَنْ طَرِيقِ الأَجْهِزَةِ؛ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَطِّرٌ؛ لِوُجُودِ مُغَذّيَاتٍ تُصَاحِبُ الْغَسْلَ؛ كَسُكَّرِ الْجُلُوكُوزِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْغِشَاءِ البرُوتِينِيِّ؛ فَإِنْ كَانَ يُصَاحِبُهُ مُغَذّيَاتٌ- وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهِ- فَهُوَ مُفَطِّرٌ.
وخروج دم الحيض والنفاس يفطر حتى لو كان قبل أذان المغرب بدقائق.
● أما الأمور التي لا تفطر فهي:
خروج الدم من أي مكان من الإنسان بغير اختياره وإذا كان من الفم وجب لفظه ولا شيء عليه.
وكذلك اِسْتِخْدَامُ الْبَخَّاخَاتِ، وَغَازِ الأُكْسُجِينَ؛ لِعِلَاجِ مَرْضَى ضِيقِ التَّنَفُّسِ وَالرَّبْوِ، إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الْفَمِ، أَوْ الأَنْفِ؛ فَالصَّحِيحُ – وَاللهُ أَعْلَمُ- أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنَ الْمُفْطِّرَاتِ؛ لَأَنَّ هَذِهِ الْعِلَاجَاتِ تَتَّجِهُ إِلَى الجِهَازِ التَّنَفُّسِيِّ، لَا إِلَى الْمَعِدَةِ.
أما البُخار الذي يحول الماء إلى بخار ورذاذ ناعم فإنه يفطر.
أمَا الْحُقَنِ الطِّبِيَّةِ: فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الِإبَرُ تَحْتَوِي عَلَى عِلاَجَاتٍ؛ كَمُضَادَّاتٍ حَيَوِيَّةٍ أَوْ مسكنة للألم أو ِإبَرُ الْبِنْجِ وغَيْرِهَا؛ فَلَا تُعَدُّ مُفَطِّرَةً؛ سَواءَ اِسْتُعْمِلَتْ عَنْ طَرِيقِ الْعَضَلِ، أَوْ الْوَرِيدِ، أَوْ الإِبَرِ الشَّرَجِيَّةِ، أَوْ تَحْتَ الْجِلْدِ؛ كَإِبَرِ مَرْضَى السُّكَّرِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطَعَامٍ، وَلَا بِشَرَابٍ، وَلَا بِمَعْنَاهُمَا؛ فَيَجُوزُ للصائم – مَتَى اِحْتَاجَ إِلَيهَا- اِسْتِخْدَامُهَا.
كَذَلِكَ يَجُوزُ للصائم اِسْتِخْدَامُ الْحُبُوبِ الَّتِي تُوضَعُ تَحْتَ اللِّسَانِ، وَيَحْتَاجُ إِلَيْهَا بَعْضُ الْمَرْضَى لِوقَايَتِهِمْ مِنَ الْأَزَمَاتِ الْقَلْبِيَّةِ حَيْثُ تَذُوبُ وَتَنْتَقِلُ عَنْ طَرِيقِ الدَّمِ؛ لِعِلَاجِ الْأَزْمَةِ الْقَلْبِيَّةِ، أَوْ الْوقَايَةِ مِنْهَا، وَلَا تَمُرُّ بِالْمَعِدَةِ؛ فَهَذِهِ لَا تُعَدُّ مِنَ الْمُفَطِّرَاتِ.
وخلع السن لا يفطر.
والسواك سنّة للصائم في جميع النهار وإن كان رطبا، وإذا استاك وهو صائم فوجد حرارة أو غيرها من طَعْمِه فبلعه أو أخرجه من فمه وعليه ريق ثم أعاده وبلعه فلا يضره، ويجتنب ما له مادة تتحلل كالسواك الأخضر، وما أضيف إليه طعم خارج عنه، ويُخرج ما تفتت منه داخل الفم، ولا يجوز تعمد ابتلاعه فإن ابتلعه بغير قصده فلا شيء عليه. وبلع الريق، وتذوق الطعام ومعجون الأسنان، لا يفطر بشرط ألا يُبتلع منه شيء.
وقَطَرَاتُ الْعَيْنِ وَالأُذُنِ والأَنْفِ؛ فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّهَا غَيْرُ مُفَطِّرَةٍ؛ لِعَدَمِ وُصُولِهَا إِلَى جَوْفِ الإِنسَانِ.
كَذَلِكَ يَجُوزُ للصائم اِسْتِخْدَامُ اللَّصَقَاتِ الطِّبِيَّةِ عَلَى أَجْزَاءِ جَسَدِهِ؛ وَهُوَ صَائِمٌ.
وحلق الشعر وقص الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة، كل ذلك لا لا يؤثر على الصيام.
--------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله قال الله تعالى:﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، فالله عز وجل بدأ من المعذورين بالمريض، وأهل الأعذار في الفطر نوعان: من له عذر يرجى زواله وهم:
المريض المرجو برؤه "الذي له علاج" والحائض والنفساء فهؤلاء يفطرون ويقضون، والحامل والمرضع اللتان تخافان على ولديهما أو نفسيهما من الصيام فهؤلاء أيضا يفطرون ويقضون.
النوع الثاني من له عذر لايُرجى زواله "ليس له علاج" وهم:
من عجز عن الصوم لكبر سنه بحيث أصبح ضعيفاً لا يستطيع الصيام أو لمرض لايرجى برؤه، فهؤلاء يسقط عنهم الصيام ويطعمون مسكينًا عن كل يوم نصف صاع من أرز أو غيره وقدره كيلو ونصف.
لكن لا يترك الصيام لمجرد أنه كبير في السن أو عنده بعض الألم الذي لا يمنعه من الصيام، هذا يجب عليه الصيام.
أما فاقد العقل فليس عليه صيام ولا إطعام مثل الكبير المهذري لا يصوم ولا يُطعم عنه.
ويجوز للمسافر أن يفطر (ولو كان سفره دائماً كأصحاب التريلات وسيارات الأجرة) وعليه أن يقضي.
ويجوز للمسافر أن يفطر سواء شق عليه السفر أم لا، والأفضل أن يصوم إذا لم يكن فيه مشقة.
وإذا تضرر المسافر أو المريض بالصيام يحرم عليهما الصيام.
واعلموا أنه يجب تبييت النية لصيام رمضان كل يوم والنّيَّةُ محلُّهَا القَلْبُ يعني لا يُشْتَرَطُ النُّطْقُ بها باللّسانِ، ويَجِبُ تبييتُها أي إيقاعها ليلاً قَبْلَ الفَجْرِ لكُلّ يومٍ لقوله ﷺ (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ). يعني لِمُجرَّدِ أنَّك تَيَقَّنْتَ منْ دخولِ المغرِبِ فَنَوَيْتَ صيامَ اليومِ الثاني صَحَّتْ هَذِهِ النّيَّةُ، ثمَّ تَعَاطي المفَطّراتِ بعدَ المغربِ وقَبْلَ طلوعِ الفَجْرِ مِنْ أَكْلٍ وشُرْبٍ وجِماعٍ وغيْرِ ذلكَ لا يُؤَثِّرُ على هذهِ النّيَةِ.
اللهم أعنّا في رَمْضَانَ على الطّاعةِ والإحسانِ، ووفِّقنا فيه لحُسنِ الصِّيامِ والقِيامِ، وارزقنا فيه توبةً نصوحاً تغسِلُنا بها من جميعِ الذُّنوبِ والآثامِ. اللهم أعنا على صيامه وقيامه وإتمامه، ووفقنا للقيام بحقك فيه وفي غيره.
إخوة الإيمان اعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللّهُمَّ صَلّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيم، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ.
اللهُمَّ اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا آتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وآمِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء.
عبادَ اللهِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ، واشكُروهُ يزِدْكُمْ واستغفروه يغفِرْ لكُمْ، واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا. وَأَقِمِ الصلاةَ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق