الأربعاء، 25 يوليو 2018

خطبة: الْحَجُّ فِي العُمر مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ

أمّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
أي: يجب على كل مسلم ملك الزاد والراحلة ولديه الاستطاعة المبادرة إلى الحجِّ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَعْجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ -يَعْنِي الْفَرِيضَةَ- فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.‌
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ» صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
إذ كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه واستطاعته بماله وبدنه؟ وهو يعلم أنه ركن من أركان الإسلام وفرائضهُ وهو من أجلّ القربات إلى الله تعالى، فرضه الله في العمر مرة واحدة فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فالبدار البدار فلعل حاجا رجع من حجه كيوم ولدته أمه، ثم دهمته المنية بعد حجه فلقي الله تعالى على أحسن حال، ولعل مسرفا على نفسه بالعصيان والذنوب جأر إلى الله تعالى بالدعاء والتوبة النصوح في تلك البقاع الطاهرة فاستجيب له فترك من ذنوبه وموبقاته بحجه ما عجز عن تركه عشرات السنين؛ واعلموا يا عِبَادَ اللَّهِ أن الحج يهدم ما كان قبله قَالَ ﷺ لعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللَّهِ: إن للحج فضائل ومنافع منها أنه من أسباب دخول الجنات وتكفير السيئات؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ ﷺ: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
ومن الفضائل أن الحج من أفضل الأعمال فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «أيُّ العملِ أفضلُ؟ قَالَ: إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الجهادُ في سَبيلِ اللهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ» متفقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ قَالَ: «لاَ لَكُنَّ أَفْضَل الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَمَنْ مَاتَ فِي إِحرامه بَعثه الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلاَ تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» متفقٌ عَلَيْهِ .
فالبدار البدار يا عباد الله إلى حج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً والله الله بالمسارعة إلى ذلك .
عباد الله: قال الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ ففي هذه الآية يبين الله سبحانه وتعالى الميقات الزماني للحج، وهو شهر شوال وشهر ذي القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، فمن أحرم في هذه الفترة فقد أحرم في أشهر الحج، وينعقد إحرامه بالحج بإجماع المسلمين، ويجب عليه أن يتجنب الرفث وهو الجماع ودواعيه؛ لأن ذلك محرم على المحرم، والفسوق وهو المعاصي، وإن كانت المعاصي محرمة على المؤمن دائماً إلا أنها يشتد تحريمها وإثمها في حالة الإحرام، والجدال وهو المخاصمة؛ لأن المخاصمة تفضي إلى أمور محذورة من الأقوال والأفعال، وتوغر الصدر، وتشغل عن طاعة لله سبحانه وتعالى، فلهذا نهى عنها.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
أما بعد:فياعِبَادَ اللَّهِ: لقد كان السلف الصالح تهفوا أرواحهم، وتطير قلوبهم، وتشتاق نفوسهم، وتدمع عيونهم في مثل هذه الأيام شوقا للحج إلى بيت الله الحرام فالحج كما تعلمون في العمر مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ.
فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ: «بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
ومن أراد أن يحج نافلة فعليه أن يلتزم بالأنظمة التي وضعتها الدولة وفقها الله مراعاة للمصلحة العامة، ومنها عدم الافتراش والحذر من المدافعة والمزاحمة واخذ تصريح بالحج لكل خمسة سنوات واياكم والتحايل ولا ينبغي فعل معصية لتحصيلِ نافلة.
أنه يستحب للزوج أن يحج بزوجته وأن يتكفل بنفقة حجها ويؤجر عليه ولا يأثم بتركه . ولا يجب على الزوج دفع نفقات حج زوجته . هذا بالنسبة للرجل أما المرأة فإن كان عندها من الأموال ما يكفيها للحج وجب عليها الحج، وإن لم يكن عندها لم يجب عليها الحج .
وكذلك لو حج بأولاده وبناته وحج بهم فهذا طيب، وله أجر بلا شك، ولا يجب عليه، لا يلزم الوالد أن يحج بأولاده ولو كان عنده مال كثير؛ لأن هذا دين، فإن تحقق فيهم الشرط وهو الاستطاعة بأنفسهم وجب عليهم.
ومن حجَّ وعليه ديون للآخرين: فحجه صحيح إذا اكتمل بأركانه وشروطه، ولا تعلق للمال، أو الدين: بصحة الحج .
هذا مع أن الأفضل لمن عليه ديْن أن لا يحج، وأن يجعل المال الذي سينفقه في الحج في دَيْنه، وهو غير مستطيع شرعاً.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، اللهم من أراد بعلمائنا مكيدة، وبولاة أمرنا فتنة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم أرنا به عجائب قدرتك، اللهم أدر عليه دائرة السوء، اللهم اجعل كيده في نحره، وتدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.
اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم قرب لهم من علمت فيه خيراً لهم ولأمتهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم ولأمتهم، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وجنبنا ما يغضبك ويسخطك يا جبار السماوات والأرض.
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أسيراً إلا فككت أسره، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا غائباً إلا رددته.
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
عبادالله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق