الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

خطبة استسقاء: أسباب الحرمان من المطر

الحمدلله الملك الحق المبين، الحمدلله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا ، ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ﴾، ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن في نزول الأمطار وتصريفها بين البلاد، عبرةً للمتذكرين من العباد ، وعظةً للمتعظين وحجة على الكافرين ، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا
ومن آيات الله في المطر أن الله قد يحبسه عن من شاء من خلقه بسبب ذنوبهم ليرجعوا إليه ويستغفروه قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ فالله سبحانه تعالى يرسل المطر لحكمة ويحبسه لحكمة فله سبحانه فيما يقدره حكم وأسرار فهو الحكيم الحميد.
عباد الله : اعلموا ان من اسباب الحرمان من الأمطار وزوال بركتها ، الربا الذي انتشر بين الناس ويظنون أنه من التجارة وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حال المرابين في القرآن الكريم ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
الربا صاحبه ملعون، قال ﷺ: (لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ) وقال: هم سواء أي سواء في اللعنة والإثم، الآكل والدافع والمعين على ذلك بالكتابة أو الشهادة كلهم ملعونون على لسان رسول الله ﷺ.
فمن كان يتعامل بالربا فليتب إلى ربه.
ومن أسباب الحرمان من الأمطار الظلم الذي انتشر بيننا مثل من يأخذ مال عامل مسكين أو يجحد حقه او يفرض عليه مبلغ مالي يأخذه منه كل شهر أو كل سنة.
وعلى المسلم أن يحذر من ظلم العامل وأكل حقه فقد شدد الإسلام في تحريم ذلك، فقال النبي ﷺ قال: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ). رواه البخاري.
ومن الظلم جحد حقوق الناس، فمن كان عليه دين في دكان أو سلف فليعجل بإعطاء الناس حقهم ولا يماطلهم أو يجحد حقوقهم.
وقد ورد في السنة الصحيحة زجر أكيد ووعيد مخيف لمن تساهل في حقوق العباد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْ). رواه البخاري.
واعلموا أن أعظم أسباب فقدان الأمن ، عدم شكر الله على نعمه،  فكم رأينا وسمعنا عن التبذير والإسراف، يقول ربنا جل وعلا في كلامه العظيم ، مصورًا لنا واقعا يعانيه مجتمع اليوم : ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾،
ومن اسباب فقد الاستقرار والامن وانحباس المطر، ابتعاد الناس عن التقوى والإيمان ، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِـم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ فإذا أردتم الامطار والبركات فعليكم بالتوبة واكثروا من الإستغفار. ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾
ألا فاعلموا أن الاستغفار ، أمان من عذاب الله الشديد ، وأمن يوم الوعيد ، قال الولي الحميد : ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، اللهم ارحمنا بترك المعاصي أبداً ، فضلاً منك ومنَّاً.
عباد الله : ما أحلم الله على عباده ، ما أعظم صبر الله ، ما أطول إمهال الله ، الله يمهل ولا يهمل ، ولو أنه أخذ الناس بأول الجرم ، وابتداء الإثم ، ما ترك على الأرض من أحدٍ أبداً ، عدلاً منه وقسطاً ، ولكنه غفور رحيم ، رؤوف كريم ، قال العزيز العليم: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً﴾
ألا فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات ، وقوموا بما أوجب الله عليكم من أداء الأمانات ، فارعوا أبناءكم وبناتكم، وأدوا أماناتكم ، فقد أمركم بذلك مولاكم ، فقال ربكم : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لنا وارحمنا ، وتب علينا وسامحنا.
عباد الله : إن من أعظم المعاصي، ضياع شعيرة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، في كثير من مجتمعات الإسلام ، الشعيرة التي أمر بها الملك العلام ، نرى شبابنا وأولادنا يفعلون المنكرات ويشربون المسكرات و يتسكعون في الطرقات ولا نأمرهم بالمعروف ولا ننهاهم عن المنكر، حتى انتشرت المصائب والمشاكل ، فويل لمن لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر ، ولعله لم يسمع قول الله تعالى آيات مسطرة سائدة ، في سورة المائدة ، فقد قال الله تعالى : ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾
فلابد من الأخذ على أيدي السفهاء ، وإلا وقع في الأرض فساد كبير ، وشر مستطير ، تدق معه اجراس الخطر ، تأخذ الصالح والطالح ، قالﷺ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغِّيِروه ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ)
عباد الله : قالﷺ: (منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)
أيها الإخوة: قد يتسائل البعض كيف نصلي الاستسقاء وقد مطرت بعض المناطق في الأيام السابقة، نقول أنه تشرع صلاة الاستسقاء إذا نزل المطر في مناطق دون أخرى فيكون استسقاؤنا بالنسبة لإخواننا الذين لم يصبهم المطر، وكما تعلمون أن بعض المناطق لم يصبها المطر وقد أمر خادم الحرمين الشريفين بإقامة صلاة الإستسقاء لتكاتف المسلمون بالدعاء لأنفسهم وإخوانهم بالخير والبركات.
اللهم يا باسط اليدين بالعطايا ، اغفر لنا الذنوب والرزايا، والسيئات والخطايا ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء ؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ،
اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً ، سحاً غدقاً طبقاً مجللاً ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق ، اللهم لتحيي بها البلاد ، وتسقي به العباد ، ولتجعله بلاغًا للحاضر والباد ، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا ، اللهم إنا خلق من خلقك ، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك ،
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً ، فأرسل السماء علينا مدراراً ، اللهم إنك أمرتنا بدعائك ، ووعدتنا إجابتك ، فقد دعوناك كما أمرتنا ، فاستجب لنا كما وعدتنا ،
اللهم فامنن علينا بمغفرة ذنوبنا ، وإجابتنا في سقيانا ، وسعة أرزاقنا، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً ، سحاً غدقاً طبقاً مجللاً ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق ، اللهم لتحيي بها البلاد ، وتسقي به العباد ، ولتجعله بلاغًا للحاضر والباد ، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا ، اللهم إنا خلق من خلقك ، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك ، نستغفر الله ، نستغفر الله ، نستغفر الله ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً ، فأرسل السماء علينا مدراراً.
عباد الله، اقتدوا بنبيكم  في قَلْبِ أَرْدِيَتِكم، تفاؤلا بقلب الأحوال وتبدلها من حال إلى حال، واستقبلوا القبلة وأكثروا من الدعاء.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق