إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللَّهَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا من أحكام دينكم ما تستقيم به عبادتكم، فان الجهل مرض قاتل وشفاؤه بالتعلم والسؤال، يقول الله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
فهناك من الناس من يعبد الله على جهل ويمنعه الخجل أو الكبر من السؤال.
وقد قال بعض السلف "لا يَتَعَلَّمُ العِلْم مُسْتَحيٍ ولا مُسْتَكْبِر".
وهناك يا عباد الله مسألة يحتاج منكم معرفتها، خصوصاً في الشتاء، ألا وهي مسألة المسح على الخفين أو الجوربين أو الشرابات.
اعلموا أن كل شيء يُمسح في الطهارة فإنه لا يُسن تكرار مسحه بل يُمسح مرَّة واحدة؛ لأنه كما خُفَّف فيه في الكيفيَّة فإنه خفَّف فيه في الكميَّة أيضًا
*فإذا كان على الرِّجلين خفٌّ أو جورب يعني شراب أو نحوهما مِمَّا يُلبس على الرِّجل فامسحوا عليه سواء كان من القطن أو الصوف أو الجلود أو غيرها مِمَّا يجوز لبسه وسواء كان متينا لا يُرى من ورائه الجلد أو كان رقيقًا وسواء كان سليمًا أو كان مخرّقًا مادام يسمّى خفًّا.
لأنه لم يرد عن النبي ﷺ فيها شيء من هذه الشروط وما جاء في الشرع مطلقًا فإنه لاينبغي أن يقيَّد بشروط.
ولكنْ لايجوز المسح على الجوربين والخفّين ونحوهما إلا بشروط:
الشرط الأول: أن يكون الملبوس طاهرًا فإن كان نجسًا لم يَجُز المسح عليه.
يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْخِفَافُ والجواربُ التِي يُمْسَحُ عَلَيهَا طاهِرَةً؛ فَإِذَا تَعَلَّقَتْ بِهَا نَجَاسَةٌ؛ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، إِلَّا بَعْدَ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا.
الشرط الثاني: أن يلبس ذلك على طهارة فإن لبس على غير طهارة لم يَجُز المسح , لقول النبي ﷺ للمغيرة بن شعبة حين أراد أن ينزع خفَّي النبي ﷺ « دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ »
وفي هذا الحديث نصٌّ صريح على أن مَن عليه جوارب أو خفّان فإن السنَّة أن يمسح وأن لا يخلعهما ليغسل القدمين لقول النبي ﷺ للمغيرة: «دَعْهُمَا» .
الشرط الثالث: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر.
الشرط الرابع: أن تكون ساترة للكعبين.
الشرط الخامس: أن يكون في المدة المحدودة شرعًا
وهي: يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وثلاثة أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ»
وهذه المدة تبتدئ من أول مرّة مسَحَ بعد الحدث على القول الراجح من أقوال العلماء؛
ولأن النبي ﷺ وقَّت المسح ولا يكون المسح واقعًا حقيقة إلا إذا مسح فعلاً؛ وعلى هذا فما مضى من المدة قبل المسح أول مرّة فإنه لا يُحتسب من المدة.
ولا عبرة بعدد الصلوات بل العبرة بالزمن، فالرسول ﷺ وقَّتها يوماً وليلة للمقيم، أربع وعشرون ساعة، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، اثنتان وسبعون ساعة.
فإذا تطهّر الرَّجل لصلاة الظهر مثلاً ولبس شرابات وصلى العصر على طهاره ثم توضأ لصلاة المغرب ومسح على الشرابات، فإن المده تبتدئ من صلاة المغرب فيمسح على الشرابات أو الجوربين حتى صلاة العصر لليوم الثاني ويخلعها قبل صلاة المغرب ويتوضأ هذا اذا كان مقيم, اما المسافر فتنتهي مدة المسح على الخفين او الشرابات بعد ثلاثة أيام.
● مَن مسح على الشرابات او الجوارب ثم خلعها بعد مسحها فطهارته باقية لا تنتقض بذلك؛ ولكن لا يلبسها مرة أخرى إلا بعد وضوء.
● وإذا لبس شرّابًا ومسح عليها ثم أراد أن يلبس عليها شرابًا أخرى فالمسح على الملبوس أولاً لأنه هو الذي لُبس على طهارة.
المسألة الثانية: إذا لبس الإنسان شرّابًا ثم مسح عليها ثم خلعها بعد المسح فإنه لا يُعيد المسح عليها مرَّة ثانية , لكنّه باقٍ على طهارته حتى تنتقض، فإذا أراد أن يتوضأ فإنه لا بُدَّ أن يغسل قدميه.
حتى لو فُرض أنه قد لبس شرّابتين ثم مسح على الشراب الثاني ثم خلعها لِخِفَّة البرد فإنه لا يمسح على الأولى؛ المهم أنه متى خُلِعَ الممسوح فإنه لا يمسح إلا بعد غسل القدمين في الوضوء .
المسألة الثالثة: إذا انتهت مدة المسح وانت على طهارة فلا يلزمك خلع الجورب أو الشراب ويجوز أن تصلي بها حتى بعد انتهاء المدة لكن لايجوز أن تمسح عليها بعد المدة.
المسألة الرابعة: يجوز المسح على الجورب والشُرَّاب الشفاف وكذلك يجوز المسح عليها حتى إذا كان فيها بعض الخروق.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين على فضله وإحسانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: اتقوا الله وحافظوا على صلواتكم ولا تتساهلوا في الطهارة فإنها شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا بالطهارة.
عباد الله: إن طريقةُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: أنْ يُبَلِّلَ كفيه بالْمَاءِ، ثُمَّ يُمِرُّهَا مِنْ على رؤوسِ أصَابِعِ قَدَمَيْهِ، مَعَ جَرِّهَا إِلَى بِدَايَةِ سَاقِهِ خَطًّا بِأَصابِعِهِ، والأفضلُ أنْ يضَعَ يَدَهْ اليُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الأيمنِ، ويدَهُ اليُسرَى عَلَى خُفِّهِ الأيسرِ، ثُمَّ يَمْسَحُ على قدميه مَسْحَةً واحِدَةً، في وقٍت وَاحِدٍ. وقَالَ أحمدُ رحِمَهُ اللهُ: (وكيفَمَا فَعَلْتَ؛ فَهُوَ جَائِزٌ بيدٍ وَاحِدَةٍ، أَو باليدَيْنِ).
● الْمَسْحُ يَكونُ عَلَى ظاهِرِ الخفينِ، دُونَ باطنِهِمَا.
● السُّنَّةُ أنْ يَمسحَ عَلَى خُفَّيْهِ مَسْحَةً واحدَةً، وَلَا يُكَرِّرُ المسحَ.
● والسُّنَّةُ أن يكون المسح باليدين جميعاً، على الرجلين جميعاً،
يعني: اليد اليمنى تَمسح الرِّجل اليمنى واليد اليسرى تمسح الرِّجل اليسرى في نفس اللحظة، كما تُمسح الأذنان، لأن هذا هو ظاهر السنة. ابن عثيمين
● لا يَلْبَسُ الْخُفَّ الأَيْمَنَ إِلَّا بَعْدَ غَسْلِ القدمَ اليُسرَى.
● لَيْسَ شَرْطًا، أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ لِبْسِ الْخِفَافِ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا؛ فَلَوْ لَبِسَهُمَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ المسحِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا؛ لَصَحَّ مَسْحُهُ.
● إِذَا تَيَمَّمَ ثَمَّ لَبِسَ الْخُفَّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيهِ إِذَا وَجَدَ الْماءَ؛ لأَنَّ لِبْسَهُ للخُفِّ هُنَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ أَصْلِيَّةٍ، بَلْ كَانَ عَلَى طَهَارَةِ بَدَلٍ، تَزُولُ بِزَوَالِ سَبَبِهَا، وَقَدْ زَالَ بِحُصُولِهِ عَلَى الْمَاءِ، أَوْ قُدْرِتِهِ عَلَى اِسْتِعْمَالِهِ .
● لَا يُجْزِئُ غَسْلُ الْخُفِّ عَنْ مَسْحِهِ؛ إِلَّا إِذَا أَمَرَّ يَدَيْهِ علَى الْخُفَّيْنِ أثنَاءَ الْغَسْلِ؛ فَلَعَلَّهُ يُجْزِئُ.
● لَا يجوزُ الْمسحُ على قدمٍ، وغَسْلُ أخرَى؛ كَمَنْ يَلبسُ الخفَّ في قدمٍ، ويجعلُ الأخرَى مكشوفةً، إلا إذَا كانتْ الَّتِي عَلَى القَدَمِ جَبِيرَةً؛ فَإِنَّهُ يِمْسَحُ عَلَيْهَا كَجَبِيرَةٍ، لَا كَخُفٍّ.
● يجوزُ للمُستحَاضَةِ، ومَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ، واستِطْلَاقُ الرِّيحِ؛ المسحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ؛ بلْ هُمْ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي الأَخْذِ بِهَذِهِ الرُّخَصِ.
وتذكروا دائماً أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام نبيكم، فقال جل جلاله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن جميع الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم تقبل منا صلاتنا وصالح أعمالنا واختم بالصالحات أعمالنا
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا،
وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء،
اللهم من أراد بلادنا أو بلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه وأجعل تدبيره تدميراً عليه
اللهم اربط على قلوب رجال أمننا وانصرهم على من عاداهم وثبت اقدامهم وتقبل شهدائهم يارب العالمين
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين ودمِّر أعداء الدين، وجميع الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم أنصر أهل السنة في العراق وسوريا واليمن اللهم انصرهم على الطغاة الظالمين المعتدين
اللهم واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم ووحد صفوفهم وكلمتهم على الحق يارب العالمين
اللهم وأنصر المسلمين في كل مكان ياقوي يا عزيز
اللهم انصر دينكَ، وكتابكَ، وسنةَ نبيِّك محمدٍ ﷺ وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم.
والحمدلله رب العالمين.
بتصرف من خطب الشيخ عبدالله بن رجا الروقي