الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اعلموا رحمكم الله تعالى أن الله من رحمته على عباده قد أباح البيع فقال ﷻ: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، فلما حرم الربا، شرع لهم بديلاً عنه أعظم منه، وأكثر استعمالاً، وأبرك وأنفع، وهو البيع، ولكن هذا البيع لا يكون جائزاً إلا إذا قيد بنصوص الشريعة، وأحكامها، وهذا البيع من بركته ما قال رسول الله ﷺ: (أَطْيَبِ الْكَسْبِ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ)، ولقد حث ﷺ على الاكتساب، التجارة والبيع، فإن فيها كسباً وبركة، قال ﷺ: (لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ -أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ- فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ)، رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح، .
واعلموا -يا إخواني- أن الشريعة قد جاءت ليس بأحكام فقط في البيوع، وإنما بآداب، وأخلاقيات للبيع، وأخلاق للتاجر، والبائع، والمشتري. قال ﷺ: (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ، إِنَّ الشَّيْطَانَ ، وَالْإِثْمَ ، يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ)؛ ولذلك فإنه ﷺ نبه على أمر منتشر في الباعة؛ ألا وهو كثرة الحلف، فقال ﷺ: (أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) فذكر منهم: (الْبَيَّاعُ الْحَلافُ)، يفعله كثيراً ممن لا يخافون الله يقول: رأس مالها بكذا مشتراها علينا بكذا، ويحلف بالله تعالى، وهو كاذب في ذلك، لا ينظر الله إليه، ولا يكلمه يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب أليم، وكذلك فإن من آداب البيع، وأخلاقه، السماحة من البائع، والمشتري قال ﷺ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى)، فكذلك السماحة في الشراء، وليست في البيع فقط، وبذلك تعلم أن ما يفعله بعض المشترين من التضييق على البائع، والمماكسة (المكاسرة) الشديدة المنفرة منافية للسماحة الواردة في الحديث السابق. وكذلك من آداب البيع وأخلاقه أن يقيل البائع المشتري، أو المشتري البائع من العقد إذا تبين لأحدهما إذا رغب في التراجع، فقال ﷺ: (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، يعني: سامحه، وفسخ له العقد إذا تبين له أنه يريد الرجوع، وأن المصلحة لم تكن في العقد الذي عقده، فرحم الله هذا الرجل الذي يقيل أخيه المسلم، ويسامحه، ويفسخ العقد له.
ونظراً لما يحدث في البيوع من الاختلافات الشديدة؛ ولأنه مظنة للخصومة جاءت الشريعة بأحكام قاطعة تفصل النزعات بين المسلمين؛ فقال ﷺ: (إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ)، السلعة موجودة، (فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ)، أو يتركان البيع فإما أن يمشيان على قول البائع أنها بسعر كذا، ولا يبيعها إلا بكذا أو يتركان البيع، وقال ﷺ مبينا أمراً آخر مهماً يفصل النزاعات في مسألة البيوع، وهو: (إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ)، وجب البيع، يعني: لزم البائع تسليم السلعة، ولزم المشتري تسليم الثمن انتقلت السلعة إلى ملك المشتري، وانتقل الثمن إلى ملك البائع، ما معنى هذا الحديث؟ يعني: إذا ذهبت إلى محل، أو دكان فاشتريت منه، ونقدته الثمن مثلاً، فأنت مخير في الرجوع، واستعادة المال الذي دفعته، والبائع مخير في استرداد السلعة ما دمتما في المحل، وداخل الدكان، أو داخل المكان الذي تم فيه عقد البيع، فإذا تفرقتما، وخرج المشتري من الدكان، وذهب فقد لزم البيع، ولا مجال للتراجع، كل منهما يحق لهما أن يتمسك بما أخذه من الآخر، ولا إجبار لأي منهما على فسخ العقد، وإعادة ما أخذ، إلا إذا اشترط أحدهما خياراً آخر، وهو خيار الرد، وخيار الرد: أن يقول المشتري: اشتريت منك هذه السلعة؛ على أن يكون من حقي ردها لو لم تعجبني مثلاً في خلال ثلاثة أيام، يحدد وقتاً للرد، خيار الرد، أو البائع يقول: أبيعك هذه السلعة على أن لي الحق في استرداد السلعة خلال ثلاثة أيام مثلاً، فهنا لو تفرقا من المجلس، وخرجا من الدكان يكون للمشترط خيار الرد، يكون له الحق في الرجوع، وفسخ البيع إذا شاء، خلال المدة المحددة.
وبذلك تعلم -أيها المسلم- أنما يكتبه بعض التجار: في دكاكينهم البضاعة التي تباع لا ترد ولا تستبدل، معناها: إسقاط خيار الشرط، وأنه لا مجال للرد لو خرجت من المحل، وهذا جائز لا غبار عليه، إلا إذا اكتشف المشتري أن في السلعة عيباً بعد خروجه من الدكان، فإنه يجوز له أن يرجع، ويفسخ العقد، ويعيد السلعة، ويأخذ الثمن، ولو كان البائع قد كتب في الدكان البضاعة المباعة لا ترد، ولا تستبدل، فإن العيب حاجة تلجئ إلى الرد؛ إذا أراد المشتري ذلك، وكذلك البائع لو اكتشف خطأ في تسعير السلعة، وأنه كان مغبوناً، ومخطئاً فيما كتبه على السلعة يرد على المشتري الثمن، ويأخذ السلع إلا إذا اتفقا على شيء جديد، وقال ﷺ: (الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ)، اتفقا على خيار الرد، ولا يحل له أن يفارقه صاحبه؛ خشية أن يستقيل، فمن خدع وانتهز الفرصة، أن البائع مشغول، وأخطأ بالكلام، وأن التسعير على السلعة خطأ فأخذها، وأجرى العقد بسرعة، وخرج مسرعاً؛ خشية أن يكتشف البائع أنه أخطأ في الكلام مع كثرة الزبائن مثلاً، فهذا لا يجوز، وهو خداع، قال ﷺ: (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ)، وكذلك فإن من الأمور التي وضحتها الشريعة في البيع أن هناك أصنافاً معينة لابد فيها من التماثل والتقابض عن البيع، لابد أن تكون الثمن، والمثمن متساويان، ولا بد أن يحدث الاستلام، والتسليم في نفس المجلس.
قال ﷺ: (الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى)، أَرْبَى: وقع في الحرام، ولا بأس في بيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب أكثرهما يداً بيد، فلو اختلفت الأصناف فباعه ذهب بفضة، فلا بأس أن يبيعه غرام ذهب بعشر غرامات فضة، إذا اختلفت الأصناف، جاز التفاوت، بشرط أن يحدث الاستلام، والتسليم في نفس المجلس، في مجلس العقد، قال ﷺ: (يداً بيد)، وفي رواية: (إِلا هَاءَ وَهَاءَ)، سلم واستلم، (وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا) أما أن يعطيه الذهب ويقول: هات الثمن بعدين حرام. لا يجوز، (وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا)، ولا بأس ببيع البر بالشعير اختلفت الأصناف أكثرهما يداً بيد، (وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا)، وفي رواية: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)، ونهىﷺ عن بيع الذهب بالورق ديناً، وبذلك تعلم أن ما يفعله بعض الناس من استبدال الذهب القديم بالذهب الجديد مع دفع الفرق حرام لا يجوز، وهو عقد ربوي، ووقوع فيما يغضب الله -سبحانه وتعالى-،لابد من التماثل نفس الوزن من الذهب بنفس الوزن من الذهب لا زيادة أبداً لا زيادة أبداً، وبذلك تعلم أنه إذا كان عند امرأتين حلي، وأحبت إحداهما أن تبادل الأخرى، فلا يجوز إلا أن يوزن كل واحد منهما، فإذا كان سواء جاز التبادل بدون تزايد، وبدون دفع أي شيء، جاز التبادل يداً بيد بنفس المجلس، وبذلك تعلم أيضاً أن رجلاً لو باع سوارين من ذهب بمائتين ريال، كل واحد يساوي مائة، فالمشتري لم يكن معه إلا مائة، فقال: هذه مائة هات السوارين، وسأتليك بالمائة بعد قليل ما الحكم؟ حرام لا يجوز، والعقد صحيح في أحد السوارين؛ لأنه تم الاستلام، والتسليم فيه، وأما السوار الأخر فالبيع فيه باطل، وهو حرام لابد من الاستلام والتسليم في نفس المجلس، فتجار الذهب إذا كانوا يبيعون الحلي بالدراهم، ولا يقبضون الثمن فوراً، فإنهم يرتكبون أمراً محرماً، وكثير منهم لا يعلمون بهذا الحكم، لا هم ولا من يشتري منهم، -مع الأسف-؛ لقلة الفقه في دين الله، فإذا كان إنسان عنده ذهب قديم، وأراد أن يستبدله بجديد خصوصاً أن البائع لا يرضى أن تعطيه سوار قديم وزنه خمسة غرامات، وتأخذ سوار جديد وزنه خمسة غرامات لا يرضى، لا ترضى النفوس، فما هو الحل؟ أنت تبيع الذهب القديم، فتأخذ الثمن وتقبضه بالريالات، ثم تشتري الذهب الجديد منه أو من غيره، بدون ربط بين الصفقتين، فتزيد في الثمن وتشتري الذهب الجديد، أو تنقص وتشتري الذهب الجديد، وبذلك ينحل الإشكال، وهذا عين ما أمر به ﷺ بلالاً لما اشترى صاع تمر جيد بصاعين من التمر الرديء، قال: (أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ)، لا تفعل لا تفعل حرام. (وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ)، وهكذا يكون الحل.
ونحن -أيها الإخوة- في هذا الزمان التي صارت فيه الأوراق النقدية بديلاً للذهب والفضة، وبهذا نشير إلى قضية يخطئ فيها الكثير وهي: أنه أحياناً عنده خمسين يريد فكة عشرات، بعض الناس يفعلون التالي: يذهب إلى الشخص فيقول: هذه خمسين ورقة أريد خمسة عشرات، هذه كلها ريالات متحدة الجنس، من نفس العملة، فيعد الآخر العشرات التي عنده، فيجدها ناقصة فيقول: ما عندي الآن إلا أربعين خذ الأربعين، وهات الخمسين، وباقي لك عندي عشرة، ما هو الحكم؟ حرام لا يجوز؛ لأنه لم يحصل التماثل، لم يحصل التساوي في القيمة عند التقابض، فهذا لا يجوز، ويقع فيها الكثيرون، فلذلك ننبه عليه، خمسين بخمس عشرات كاملة، في نفس المجلس، فإذا احتاج فماذا يفعل؟ يجعل الخمسين عنده رهن، ويأخذ الأربعين التي عنده، سلفة ليس بيعاً وشراءً لا الخمسين رهن، والأربعين يأخذها سلفة، ثم بعد ذلك يعيد الأربعين إليه، ويأخذ الخمسين التي له، هذا حل للحالة القصوى الملحة هذا هو الحل الشرعي، أما خمسين بثلاث أو أربع عشرات، والباقي بعد ذلك تعال خذها، لا يجوز؛ لأن التساوي لم يحدث في نفس المجلس.
ومن أحكام البيع أيضاً أنه لا يجوز الغرر فيه، فلابد أن يعلم المشتري السلعة، وصفتها، وأن يراها، ويعاينها قبل الشراء؛ ولذلك إذا باع لك شيء وقال: لا تفتشه، ولا تفتحه، إما أن تأخذه بكيفيته هذه، وحالته، وإلا انصرف، فلا يجوز له أن يفعل ذلك، وهو مجرم في حق الشرع؛ لأن بيع الغرض لا يجوز، فلابد أن يعاينه المشتري، وأن يفحصه؛ لكي لا يحدث غرر، وانخداع في عقد البيع، وهذه المسألة توجد أحياناً مع الأسف حتى في بعض المحلات التجارية، فإنهم يجعلون في شيء مغطى شيئاً مخفياً، ويبيعونها ، ويقولون: أنت وحظك، فقد يخرج لك شيء سعره أقل مما دفعت، اشتري ما بداخل هذه، أنت وحظك، كلمة: أنت وحظك حرام لا تجوز، مخالفة للشرع، لابد من فتحها، ومعرفة ما بداخلها قبل البيع، وقبل تسليم الثمن، وعقد العقد، وإلا لا يجوز هذا أبدا، وأما الأشياء التي لا يمكن فتحها كأسطوانات الأكسجين، فيكفي أن يعلم المشتري صفة ما بداخلها، والكمية المضغوطة فيها بالتفصيل، فيجوز عند ذلك البيع، ومن الأمور التي لا تجوز في البيع أيضاً بيع ما لا يملك، لا يجوز لشخص أن يبيع ما لا يملك، لا يجوز أن يبيع سلعة غيره بغير إذنه، وكذلك لا يجوز أن يبيع شيئاً وقف لله تعالى.
فإذا أوقف الرجل وقفاً لا يجوز له أن يبيعه لا يجوز بيع المسجد مثلاً، ولا أرض المسجد ولا أن يبني على أرض المسجد ولا أن يؤجر المسجد أو أرض تابعة للمسجد، ولا يأخذ من كهرباء المسجد، ولا شيئ يملكه جميع المسلمين.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا، وإياكم، وقافين عند حدوده، متفقهين في دينه عالمين بسنة نبيه، وأن يرزقنا أكل الحلال، واجتناب الحرام.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون، أعلموا أن هناك أمور حرمت الشريعة بيعها، وسلع لم تجز بيعها. قال ﷺ: (ثَمَنُ الْخَمْرِ حَرَامٌ ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ حَرَامٌ ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ حَرَامٌ ، وَإِنْ أَتَاكَ صَاحِبُ الْكَلْبِ يَلْتَمِسُ ثَمَنَهُ فَامْلَأْ يَدَيْهِ تُرَابًا ، وَالْكُوبَةُ حَرَامٌ ،يعني: الطبل، وَثَمَنُ الْكَلْبِ حَرَامٌ وَالْخَمْرُ حَرَامٌ ، وَالْمَيْسِرُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ،)، ونهى ﷺ عن عَسْبِ الْفَحْلِ ، وهو تأجير الفحل بمال، فإن ماء الفحل ليس للبيع، ولا للتأجير، وإنما هو شيء يتكاثر به الرعاة فيما بينهم، لا يجوز تأجير الفحل، ولا بيع ماءه، ونهى ﷺ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، يعني: القط لا يجوز بيعه، ولا أخذ ثمن على القط، ولا ما كان في حكمه كالمفترسات من الأسود، ونحوها، وقال ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ)، والخمر، والمخدرات، وغيرها من الضارات من الأشياء الضارة كالدخان والتنباك والقات، ونحوه، وإن كان أقل ضرراً لا يجوز بيعه، ولا دفع الثمن فيه، الثمن حرام، والسلعة حرام، والكسب حرام، واستعماله حرام، كذلك؛ بيع أفلام الفيديو، وأشرطة الأغاني، والآت اللهو والطرب، كلها حرام، لا يجوز بيعها، والمكسب منها حرام، يأكله الرجل في بطنه، يطعم أولاده، وكل لحم نبت من سحت، فالنار أولى به، كذلك فإن من الأمور التي لا يجوز بيعها، وهذا مهم في هذه الأيام بيع كل ما يستعمله الكفار في أعيادهم كالأشجار التي يضعونها، والزينات التي يضعونها في الأشجار، وغيرها، أو كروت عيد الميلاد كما يقولون، وبطاقات التهنئة كلها حرام، لا يجوز بيعها.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ كما أمرَكم بذلك ربُّكم ربُّ العالمينَ فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وقال ﷺ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد، اللَّهُمَ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ وَاتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ واجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ!
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ).
مختصرة من خطب الشيخ محمد بن صالح المنجد