إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُهُ ونستعينُهُ ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلـهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعدُ: فإني أوصيكُمْ ونفسِي بِتَقْوى اللهِ العَلِيّ العظيم فالتَّقوى هيَ سبيلُ النَّجاةِ يومَ الدّينِ، هيَ التي تَنْفَعُ ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
عباد الله، لقدْ أمرنا الله ﷻ ودعانا إلى المكارِمِ والمعالي وأعمالِ الخيرِ، فمِنَ المكارمِ والمعالي التي أُمرنا بها، برُّ الوالدينِ. يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
أمَرَ اللهُ عبادَهُ أمْرًا مَقْطوعًا بِهِ بأنْ لا يَعْبُدوا إلا إيَّاهُ، وأمَرَ بالإحسانِ للوالدينِ، والإحسانُ هوَ البِرُّ والإكرامُ.
وقدْ نهَى اللهُ تعالى في هذِهِ الآيةِ عنْ قولِ ﴿أُفٍّ﴾ للوالِدَيْنِ وهوَ صوتٌ يدُلُّ على التَّضَجُّرِ، فالعبْدُ مأمورٌ بأنْ يستعمِلَ معهُمَا لِينَ الخُلقِ حتَّى لا يقولَ لهما إذا أغضبه شىءٌ منهُمَا كلمة (أُفٍ).
﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ أيْ ولا تنهاهُمَا عنْ شىءٍ أحبَّاهُ لا معصِيَةَ للهِ فيهِ، وقلْ لهُمَا قوْلا ليّنًا لطيفًا أحسنَ ما تَجِدُ كما يَقْتَضيهِ حُسْنُ الأَدَبِ.
واسمَعوا جيّدًا قولَ اللهِ تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أيْ أَلِنْ لهمَا جانِبَكَ مُتَذَلّلاً لهُما مِنْ شدة رحمَتِكَ إيَّاهُما وعطْفِكَ عليهِمَا.
لقد حث الإسلامُ الولَدَ على طاعةِ والديه فيمَا لا معصيةَ فيهِ، وجعلَ اللهُ تعالى للمسلمِ الذي يُطيعُ والدَيْهِ فيما لا معصيةَ فيهِ أجْرًا عظيمًا في الآخرةِ، بلْ منَ الناسِ منْ أكْرَمَهُمُ اللهُ بأشياءَ في دنياهُمْ قبلَ آخِرَتِهِمْ بِسَبَبِ بِرّهِمْ لوالديهم.
فهذا نبي الله عيسى عليه السلام يقول ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ كل هذه الوصايا العظيمة أوصاه الله بها وهو طفل في مهده، فتأمل قوله: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي) أي: وأمرني ببر والدتي، فذكر البر بعد طاعة الله; لأن الله تعالى كثيرا ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين، كما قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) وقال (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾
وقوله: (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) أي: ولم يجعلني جبارا مستكبرا عن عبادته وطاعته وبر والدتي، فأشقى بذلك .
وقال بعض السلف: لا تجد أحدا عاقا لوالديه إلا وجدته جبارا شقيا.
يا عباد الله: إن من العقوق ما انتشر من عادة سيئة وهي (الانشغال بالجوال عند زيارة الوالدين)، فيحضر الابن او البنت بجسده وأما عقله وذهنه فمشغول، وحينئذ لا معنى للزيارة فهي جسد بلا روح، لا قيمة لتلك الزيارة لأنها جامدة لا حياة فيها.
وكم من أم وأب يتضايق من تلك العادة ولكن مشاعر الأمومة والأبوة تجعلهم لا ينهون أبنائهم عن الانشغال عنهم أثناء الزيارة وإلا فهم يتضايقون، ويريدون أن يمنحهم الأبناء الاهتمام بدل الانشغال بالجوال ونحوه.
ويجب أن تكون صديقا لوالديك وأن تكون صداقتك لوالديك مقدمة على صداقة غيرهم.
عباد الله: إننا أحوج ما نكون إلى أن نراجع تصرفاتنا وأن نسارع في الاعتذار وإصلاح أخطائنا تجاه والدينا ونلتمس رضاهما، جاء رجل الى رسول الله ﷺ فقال: جِئتُ أُبَايِعُك علَى الهِجرةِ وتركتُ أبويَّ يبكِيانِ، فقال: (ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا) رواه أحمد.
إخوة الإسلام: قد يحصل تقصير من الوالدين تجاه أولادهم ولكن هذا ليس مبرراً في التقصير في حقهما وليس مبرراً في عقوقهما فعلى أبيك ما حُمل، وعليك ما حملت من الواجبات، والواجب الصبر على الوالدين.
وإذا تقدم العمر بالوالدين وبلغا مرحلة الضعف والشيبة وأرذل العمر، هنا يحتاجان إلى بر يصحبه سعة صدر وصبر ومعاملة خاصة ورحمة وعطف، وأن يروض الأبناء أنفسهم في طريقة التعامل مع كبير السن.
ومنهم من يأتي لوالده أو لوالدته بخادم أو سائق ويظن أنه قام بالواجب وبرئت ذمته بذلك، وهذا خطأ فإن البر لا يفوّض ولا يباع ويشترى.
ولذا خص النبي ﷺ برهما في مرحلة الكبر بالذكر وأنه سبب لدخول الجنة .
روى مسلم أن النبي ﷺ قال: رَغِم أَنفُ ثم رَغِم أَنفُ ثم رَغِم أَنفُ قيل مَن يا رسول الله؟
فقال ﷺ: (رَغِم أَنف مَنْ أَدرْكَ أَبَويْهِ عِنْدَ الْكِبرِ أَحدُهُمَا أَوْ كِلاهُما فَلمْ يدْخلِ الجَنَّةَ)
وقال سبحانه وتعالى ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾
قلت بما سمعتم واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
----------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
أمّا بَعْدُ، فاعلموا أن الله قد أمركم ووصاكم بالإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهم بالمعروف ولو كانا كافرين، واعلموا أن بر الوالدين يستمر حتى بعد موتهم، فعَنْ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ: (نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا).
خمسة أشياء: الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا: يعني الدعاء لهم، والترحم عليهم، أحق الحق ومن أعظم البر في الحياة والموت.
وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا: وهو أن يستغفر الإنسان لوالديه، يقول: اللهم اغفر لي ولوالديَّ.
وأما (إنفاذ عهدهما) يعني إنقاذ وصيتهم.
وأما إِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا: فإذا كان لأبيك أو لأمك أصدقاء وأحباب وأقارب فأحسن إليهم، فهذا من برك لوالديك بعد وفاتهم.
والخامسة: صِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا: وذلك بالإحسان إلى أعمامك وأقارب أبيك، وإلى أخوالك وخالاتك من أقارب أمك هذا من الإحسان بالوالدين، ومن إكرام الوالدين.
أما قراءة القرآن لهما، أو الصلاة - بأن يصلي الإنسان ركعتين ويقول: لوالديَّ - فهذا لم يأمُرْ به النبي ﷺ ولا أرشَدَ إليه، بل قال: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)، ولم يقل: ولد صالح يتصدق له، أو يصلِّي له، أو يحج له، أو يعتمر له، بل قال: يدعو له، فالدعاء خير من العمل الصالح للوالدين.
لكن لو فعل الإنسان ونوى بهذا العمل لوالديه؛ فإن ذلك لا بأس به؛ لأن الرسول ﷺ لم يَمنع سعدَ بن عبادة أن يتصدق لأمِّه، بل أَذِنَ له.
فاتقوا الله أيها المسلمون ولا تفرطوا في هذا الباب العظيم من أبواب الخير والجنة، ولا تستكثروا ما تبذلونه لوالديكم من خدمة ورعاية ولا تمنوا عليهما.
اللهم اجعلنا من الأبناء البررة اللهم وفقنا للقيام ببر والدينا وارزقنا أبناء بررة يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارزقنا برهم أحياء وأمواتا اللهم تجاوز عن تقصيرنا في برهم اللهم ردنا إليك ردا جميلا.
اللهم من كان حيا من آبائنا وأمهاتنا فمتعه بالصحة والعافية وزيادة الطاعة وفرج همه وغمه ومن كان ميتا فاغفر له وارحمه واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
اللهم اجمعنا مع والدينا في جناتك جنات النعيم.
اللهم اجعلنا من الأبناء البررة ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
اللهم إنا نعوذ بك من العقوق.
عبادالله اعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين وارفع البلاء عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, وعن جميع بلاد المسلمين
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق